وصافة العربية
يصادف الثامن عشر من كانون الأول، الإحتفال باليوم العالمي للغة العربية. تنصرف إذا، الدول والجمعيات والهيئات الثقافية المهتمة، بالدعوة لإقامة الندوات، وتقديم العروض الأدبية، من النواحي الفنية والتاريخية واللغوية والثقافية، لتبيان الوجوه الهامة للعربية في الحياة الثقافية. وللكشف عن مساهمتها في تقدم الإنسانية. ولمساهمتها أيضا، في نشر الإسلام، في المجتمعات البعيدة، عن بيئة العربية وعن مهادها الأصلية.
هناك أمران، لا بد من الحديث عنهما، في يوم العربية العالمي:
١- صلة العربية باللغات وبالأقلام وباللهجات القديمة، والتي كانت تعيش معها في جوارها الإقليمي.
٢- تصور مستقبل العربية، في البلاد الناطقة بها، وفي البلاد المؤاخية لها أو تلك المتاخمة. أو تلك التي تعيش على تخومها. وكذلك في البيئات العالمية كافة.
بشأن تاريخانية العربية، ودراسة ماضيها، يجب الإنصراف إلى تملي الشعر الجاهلي وتدبره من كافة وجوهه. وتملي القرآن وتدبر لغته من كافة وجوهها. فهذان المعلمان، كافيان للإستدلال، عن الثقافات القديمة، التي صدرت العربية عنهما. وهي أيضا تحيلنا إلى هجراتها في مواطن، ربما لا يعترف الكثيرون، بأنها كانت مصدرا ثرا للعربية.
كذلك لا بد من الوقوف على لغات جميع الشعوب، التي كانت تنتشر في المتوسط، أو على شطآنه وخلجانه. أو التي كانت تعيش، خلف الأناضول، وما وراء آسيا وإفريقيا والهضبة الإيرانية، أو في الهضبة التركية. إذ اللغة العربية التي تبيأت هناك، كانت تأخذ من لغاتها السياقات اللغوية، وكذلك المفردات والتعابير الكثيرة. وهذا ما أكسب العربية الثراء، خصوصا بعد ظهور الإسلام، ووصوله إلى تلك البلدان.
وأما في الحديث عن مستقبل العربية، فما يهمنا منه، ثراؤها وغناها، حتى تصبح لغة عصرية. وبكلام أكثر تفاؤلا: حتى تصبح لغة مستقبلية، لأبنائها.
برأينا، أن العربية، لا تبلغ هذة الرتبة، ما لم يعمل أبناؤها بكل جهد، على تحقيق وصافتها، لجميع لغات العالم المتقدم.
فالعربية، حين تكون وصيفة أولى حقيقة، للفرنسية وللإنكليزية وللإيطالية وللألمانية وللروسية ولليابانية، وللصينية، أو لغيرها من اللغات العالمية، تكون بذلك قد وضعت نفسها، بإزاء هذة اللغات، في القيمة والقيم، و على سلم الإعتبارات كافة.
ذكرنا بضرورة وصافة العربية لهذة اللغات، لا على أساس عالميتها، وأنها من اللغات الرسمية في الأمم المتحدة، بل على أساس ما ينقص العربية من فوائد، نراها موجودة في هذة اللغات، ونشتهي لعربيتنا، أن تستعيرها منها.
الإقتراض من اللغات العالمية المشهورة، مسألة فيها نظر. فما دامت العربية قد إقترضت في تاريخها القديم، ممن جاورها من الشعوب القديمة، فأجدر بها أن تعود إلى نهج الإقتراض نفسه، لتحقيق جدارتها في العيش، مستقبلا، وتحقيق نموها المستدام، بكل تأكيد . فالنمو المستدام للعربية، لا يمكن أن يتحصل لها، مالم يتنازل أبناؤها، عن إعتبارها لغة قداسوية، والسير بها وصيفة اولى لسائر اللغات العالمية.