الثقافة العربية والتحديات العصرية
حميد عقبي ـ باريس
تتزايد التحديات العصرية المتجددة مما يجعل كل الثقافات تبحث وتطور قنواتها وهيئاتها ومؤسستها وبنيتها وكذلك أساليب الخطاب وتطوير الرقمنة والإستفادة من التطور التكنولوجي ولعل جائحة كورونا التي لم تنتهِ ويبدو أنها ستطول ورغم كل هذا نجد في الدول المؤمنة بثقافتها تواصل تطوير البنية الثقافية مثل بناء مسارح ومراكز ثقافية ومكتبات عامة وغيرها وهي تضع تحديات الوباء الحالي أو المستقبلي وكذلك منح الدعم واصدار القوانين، نحن في العالم العربي كل الأشياء تم تجميدها ولا يزال الجمود في أغلب الدول العربية , ويبدو أن الميزانيات الضعيفة جدا المخصصة للثقافة زاد ضعفها وتقلصت أكثر.
خلال الجائحة ظهرت منصات ثقافية إفتراضية عربية والكثير منها بدت تضعف وتضمحل والقليل منها يصمد ويستمر ولعل تجربتنا في المنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح وعبر منصتنا النشطة علمتنا الكثير، نتحدث عن 250 فعالية كانت عبارة ندوات وأمسيات وعدة ملتقيات أدبية وشعرية ومسرح وكذلك سينما وفن تشكيلي، استضفنا أكثر من 500 شخصية من النقاد والمبدعين والمبدعات وحضر معنا على منصتنا الإفتراضية أكثر من 2000 متابع ومتابعة، حصد نشاطنا متابعة نشطة على فايسبوك ونحن نطور من أساليبنا ونحاول تجاوز الأخطاء والسلبيات.
الاعتماد على الإفتراضي فقط لا يمكنه أن يفي بالغرض وأنشطة الجمعيات والأفراد التطوعية لا تعفي المؤسسات والهيئات الحكومية من واجباتها وكذلك نحن وغيرنا لسنا في سباق لغرض حصد مشاهدات ولا تنافس للبحث عن الشهرة وربما هذه النقطة مهمة ومن خلال تجربتي في إدارة منصة المنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح اصابتني الصدمة من أصدقاء وصديقات يديرون منصات مماثلة وأحدهم قال لي ذات مرة لنا قناتنا وجمهورنا ولا ترسل رابط ندواتكم على مجموعتنا ولن نعطيكم جمهورنا.
لم أعرف كيف يمكن الرد على طرح كهذا من شخصية توصف بالمثقفة؟
كثيرة جدا مثل هذه الشخصية وبعض المنصات تصطاد ضيوفا لهم شعبية على وسائل التواصل وتعتبر هذه الشعبية مقياسا مهما وأساسيا دون النظر للمستوى والمنجز الإبداعي وأعتقد هذا المقياس باطلا، هنالك أصوات وتجارب إبداعية جيدة ومهمة لكنها لا تملك شهرة وشعبية على وسائل التواصل الاجتماعي ولا تهتم بهذه الشهرة ولا تسعى لها وهنالك تجارب ضعيفة جدا أو بسيطة ولكنها تملك صيتا وشعبية على شبكات التواصل ونجد المنصات الإفتراضية التي تستضيفهم يكال لهم المدح ويتحول النقد لتهريج ومجاملات.
واقعنا الثقافي والإبداعي العربي لا يحتمل تزايد الكوارث ويكفيه ما فيه ولعل الأخطر أيضا الشللية والربطية و” التظبيطات وشيلني وشيلك” وهي موجودة بواقعنا وواقع مؤسساتنا وانتقلت للعالم الإفتراضي وبقوة.
ونحن نتحدث عن الرقمنة وسهولة التواصل يظهر ضعف الانترنت وانعدامة في الكثير من المدن العربية وخاصة الدول التي تعصف بها الحروب والفوضى مثل اليمن، سوريا، ليبيا والسودان وحتى مدن بدول مستقرة كالمغرب العربي وتونس مما يجعلنا أمام عدم وجود عدالة في الامكانيات وتقنيات الاتصال والتكنولوجيا، كذلك ضعف الحالة المادية للمبدع فقد يتوفر نت جيد لكنه لا يستطيع شراء جهاز حاسوب أو هاتف جيد أو دفع اشتراك النت فيصبح في الظل وخارج هذا الحراك الثقافي العصري بينما غيره قد يكون أقل في الإبداع ويمتلك الامكانيات المادية ويتحول لنجم، هنالك أيضا من يملك الامكانيات لكنه مصاب بالأمية التقنية ويعتمد على الوسائل القديمة ولا يسعى لمحو جهله التقني.
كذلك تضخم الأناء بسبب ما احدثته وسائل التواصل فالبعض يريدك أن تقدمه تقديما مطولا وفخما ويكون خطابك معه يحمل التبجيل أو يشترط أن يكون حضوره للتكريم، كثيرة جدا التحديات ومن الضروري أن نشترك جميعا لبحثها والوقوف بصدق معها والبحث عن حلول سريعة، السلبيات موجودة في المؤوسسات الثقافية وأصبح بعضها اشبه بالجثة فمثلا ماذا قدمت وزارات الثقافة في اليمن وليبيا والسودان من أنشطة ودعم للإبداع خلال السنوات الماضية؟
كذلك الجمعيات والهيئات الثقافية العربية ومنها من يحصل على دعم من منظمات عالمية لكن الفائدة تظل محصورة لعدد بسيط ولعل مثل هذه الموضوع الشائك يحتم أيضا على المبدع أن يراجع مساره ومن المهم أيضا أن يسود التفاهم والتعاون بين المنصات الثقافية والفنية الإفتراضية والخروج من القطرية والإقليمية والجغرافية الضيقة فالإبداع يجب أن يكون إنسانيا تسوده المحبة.
نقطة أخيرة أجدني مؤمنا بها وهي ضرورة وجود تشابكات بين الفنون والاجناس الأدبية والفصل ووضع الحدود بين الفنون والأدب والشعر يصيب ثقافتنا بمقتل، نعيش زمنا مختلفا فيه تطورات وكوارث وخللة في القيم وظغيان العنف والمادة لذلك نحن نحتاج للقيم النبيلة وزراعة الأمل والحب والحرية والسلام .