الكاتبة والشاعرة غادة رسلان الشعراني تقرأ في الديوان الشعري (أشجار الليل) للشاعرة اللبنانية (سناء البنَّا) عضو اتحاد الكتاب اللبنانيين :
——————————-
تعنون الشاعرة ديوانها ب(أشجار الليل) جامعة بين الأشجار والليل ، تؤنسنها وتحكي حكاية العتمة المحيطة بأعرافنا وموروثاتنا والتي تتصارع والعقل ومنطقية الحياة كما يتوجب أن تفهم وتعاش …
تقدم رسائلها هذي إلى مولانا … وكأنّا معها تجادل العقل كمقام أعلى وتوصل جدلياتها وإدراكاتها وقناعاتها فياضة التمرد على الجهل والعقليات الجامدة المثبِّتة لأركانه …
هي تأملات وجودية ابتداء بأدراج طفولتها على مصطبة في باحة مملوءة بألعاب هرمة وحكايا الضبع ، الجن ، مارد الفانوس ، الغول ، الوحش ، الدين ، العهر ، الطهر ، النار والغدر …
تتسلق الأدراج ولا تتقدم ، ويعلق في الذاكرة الخوف من البعبع في السماء والرعب من جهنم الحمراء ،
فهي والشيطان حكاية قديمة رافقها في طفولتها غير الاعتيادية بين الأديرة و بيت جدها رجل الدين المتمسك بالقيم الدينية التوحيدية مما ولّد داخلها صراعاً يعنُد تحليله ومما شكّل حالة رهاب من ماهية الله فتساءلت كثيراً عن الطقس الواجب اتباعه لتنال رضاه …
قلق واضطراب لم ينتبه إليه أحد من محيطها …
صراع باغتها قبل وعيها فلسفة الأديان وحقيقة الله وكان الشيطان مصدر الخوف الأكبر ، لص يجري خلفها مسرعاً يريد التقاطها فلا تلتقط ما يسقط منها من طعام مخافة أن يلحسه ، صارت ترمي له الطعام حتى لا يلتهمها فهزلت ومرضت …
لكنها كلما كبرت كان يصغر ، عالجت نفسها بنفسها بعد صراع مرير أضناها و ذنبها الوحيد فيه أنها طفلة خارج واقع الكبار وأفكارهم …
في قلب شاعرتنا عاصفة ، دفهي لا تخوض غمار البحر إلا حين يغدو الموج جارفاً ، هي تكره القصائد الراكدة …
فقه الشوق لديها : قلبان متواريان سيلتقيان حتماً في الخباء تحت ظلال الوجد و ترتكب أبلغ الخيالات …
يسجد الحبيب للصلاة فيأخذ من قربانها المقدس قطعة سماء ويخشع ، في حضرة الجسد يتقمص روح الأنبياء …
حين اعتراها إحساس وجودها دخلت دوائر الصمت من ردهة المعنى كما زقاقٍ على بوابة كونية فامتلكت نفسها على يابسة شاسعة ، دخلت على فقهٍ : ” لا علم لي لكني أتعلم و لا قلب لي لكني أفكر و لا عقل لي لكني أمخر البحر غراماً وأحيل الخفق طيراناً “
أفادها الزمان أنه بالحب تحيا الأوطان المتعبة و أن مرصد العقل لا يغفل عن حكمة القلب ، تطلب من الحب أن ينجينا من الاحتراق فيه ، من هذا الصراخ المدجج بالتنكيل والتأويل والأوطان المنهكة الممتدة في الأروقة السرية ومكائد الشيطان العبثي …
هي لم تأتِ إلا للحب فهي العاشقة التي تحب حبيبها بشتى حذافيره وأدقّها ، تحبه حدّ الوهاد والهضاب ، لأجله تفيض بالبياض وترحل مع شموسه من مغيب إلى مغيب لا تنتهي ولا ينتهي ، ومع كل وصال رحيل إلى مشرق جديد …
هي قارئة الصمت تحترف الغوص فماء العين موطن الأسرار
أدركَته وهو يعلق قناديله على شجر الليل يصطاد للحياة رؤى ضوئية ويدعو الأقمار للعناق ، في عينه نسر يغفو ولا ينام ، في عينه مقامات بُعد النظر ، يُسكِر الضوء في تلويحة السكون ، يراقص الأهداب ليتبختر ويُطرب ، مؤمنٌ على سجاد العشق يصلي فالعين نافذة القلب والعارف للحقيقة يتقن فن قراءة الشغف.
شاعرتنا تطالب حبيبها أن يساعدها لإعادة ترسيم حدود غياباتهما المتكررة عبر الأزمنة الطاحنة في المحن ، أن يساعدها على ارتشاف الشغف من شفتيه المكبلتين بإيماء جوعٍ خافت قبل مأدبة ، فهي الموت الهائم ، تغيم بين حينٍ حيوات تتكرر ، يتمضمض ترابها قمصاناً وأكفاناً ، تطالبه أن يساعدها لتمخر الصخر ، أن يعلمها دون أجنحة كيف تطير
ترى شاعرتنا أن الحياة ممر ظالم ترهقها العتمات لكن الله دعاها للحب إتماماً للصلاة ، دعاها للحبيب
فلا وقت للحرب ، يكفي أن يقتلنا الحب كي نموت بسلام ، وُلدنا في ساحات الوغى مسفوكٌ دمنا بقدَرنا العربي وأفكاره الدامية …
أمها أخبرتها أن شرف البنت كعود ثقاب وهي صارت تتلذذ بإشعال علب الكبريت وتحرق أفكار أمها الكاذبة فكل عود ينطفئ يعدها وليمة على عرف ديك
فالمرأة ما زالت قديسة تغفو على سجادة صلاة تصلي شوقها لذاك الذي لملمت عطره في ذاكرتها وهو يتلو الندامة
يرشح عطره منها كزهرة عاشرت الشمس حتى اليباس وما بقي للحياة غير أنفاس أمّارة بالشوق فلا شيء غيره ينيرها في الظلام ، وفي الرقصة القادمة ستحضنه وتدور من حرف إلى حرف إلى سابع سماء يحطا على غيمة ويعودا بأسماء الحب الحسنى …
تحتاج روحها للغذاء وقد فقدت شهوتها للحياة
وعلى مقلب الليل والضجر ينتظرها شَبِقاً رجلٌ من رغبة عطرها يتلظى ، طعمُها ذائقة الزنجبيل ، فما أحدق النوم !!! عند رغبتها ترتجف يداه ثملة بين ثدييها …
فهل يذكر كيف تلبّسها العمر بين شفتيه وكأس شهوتها مكسور ؟
كيف لملمت شهقتها عند خاصرة البلور وأطلقت سكرتها ؟
كيف لملمت عن صدرها أسطر الرجولة وكيف استباحت من حبه أحرفها الأولى ؟
فالعين محرقة الكلام وكل المعاني مشبوهة و رزمة الوقت تترقب وحديث الأعالي لا يُستجاب
قالت لها العرافة : لا سلطة تعيق الريح عن الدوران ولا الروح تستكين في قعر الفنجان
يبدو أن عقلان في جسدٍ واحد عاهةٌ فكرية فالعقل مكان الغم كقبضة ضوء ثاقبة تحلم بعشرات الأرحام لتنجب فكرة.
فلا تقربوا الشعراء – في قانون شاعرتنا – وهم سكارى ، اتركوهم في عوالم الغيب حيث لا تعلمون ، شعراء النثر حيث لا نظم ولا صياغة فالبلاغة في فقه المعاني.
تنال شاعرتنا ممن ابتلع مكتبةَ علمٍ وفقهٍ ودين ولم يعلق على لسانه غير عورات النساء وجنة الحواري فتنعته بالتافه وتطلق سلاحها في وجهه ” فالنساء عند شاعرتنا قديسات حين يكون الرجال آلهة “
والحياة كلمات والسر واحد : أمة عربية نحرتها تعاويذ وتمائم وأسطورة
تحاكي أباها في منفاه الأخير فمن أودعه سر الموت مبكراً ؟ هل رغبه مرغماً ؟ هل ضجر الألم فانبجس الرحيل عتاباً ؟ لربما تهور قليلاً برأيها.
هي بقيت تحلم كما تقول قبيلتها أنه عاد طفلاً على ثدي أم جديدة فالموت ليس خندقاً ضيقاً ولا بضع دمعات خجولة.
الموت أن تتحسس قلبه وتجده في قلبها وما زال يعاود الاستئناس أنه هي ، الحياة الحي أو أنه الجزء الميت منها …
نزعت الخمار عن كلمتها منعاً للاستتار بالمألوف ، روضتها في الحرية عالياً خوفاً من التدحرج بين دوس السائد من أقلام ذاكرتها (سجن الذئاب المؤبد)
لكنها لم تعد موطن العويل ولا لقمة القاضي الفاسد ، في ميراثها تخمة من الفقر وبعض الفساتين الباهظة ليقال أنها غاوية ، قلمها له ألف صوت وصوت يحور ظلمة الحياة إلى ألوان من ورد.
هي عروسة المروج والشمس سوف تشرق غداً لكنها في حراك ممل للانتظارات الفارغة ، عليها أن تمزق القناع لتكون الأنا فهي الوجود وهي العدم والخيار ليس صعباً ، والحياة مسرح ، تكرار مشاهدته تدفع للملل ولسقوط جمالية الأشياء لكن اللغز المحير : أين تكمن أنانا ؟
المسرح هو الحقيقة وأنانا دور نلعبه وكل ليلة نجهد لاكتشافه من جديد ولا نمل فالجمال لا يسقط أبداً ، الجمال أن تمرّي في جمال نفسك لأن المسرح يقول : ” اجلسوا الليلة أمام العاشق “
لو دخل الحبيب عين شاعرتنا لرأى السماء بأبهى حللها ، لا سياف ، لا حراس
فقط نجوم تلف أعناق العاشقين و ربٌّ يرعى الحب إلى يوم الدين
تميل هي إلى الحبيب بدافع ثوري فقد كان أرضها المنكوبة -قاب شرين وأدنى- والخوف في كل مكان والخيانة خلف كل أخ و جار ، ليته يضمها فهي تتوق لعناقه ، أن يشدها إلى صدره فهو الوطن لكن الإعصار يقتلع كل الأماني
لم يستدر القمر بما يكفي الجنين ليكتمل ، بتروا الضوء وعلقوه على أعمدة العروبة مشنوقاً
ترى شاعرتنا أن الحب حين التقائه مع الخوف والحذر يُبطِل الإيمان فهما خطان متواربان كمتلازمة : ( فاقد الشيء لا يحييه )
في الحب لا يجوز وضع قفازات لاختيار أجود أنواع العبارات و أحر القبلات
الحب إله بشري يحتاج الصلاة على مناخ سماوي
شاعرتنا تبوح فكل مبتغاها إباحة الفكر عن ستر الفكرة
قد أينع موسم قطف الخطايا ، التفاح في الجنة محرم ونبيذه حرام وحواء التفاحة شهية ، عالقة في عنق آدم غصة أبدية أما هي فقصيدتها مهجورة أطلالها رجل أحبها وكسر الصورة ، تناجيه فإن كان قمرها فلن يخطئها بين النجوم
هي تدين له بإنسانيتها ، قد وهبها الحب فتنامى بالقداسة حد السماء
شاعرتنا وحبيبها لا يشكلان حالة حب بالمفهوم التقليدي ، بينهما ما يفوق المتعارف فالوجودية شكل يتعذر عليهما اقترافه ، هم كائنات منزلة لأهداف سامية ، هي تحبه في حبكة اللغة لتطهر القلب من ترابيته ، لتستشعر الله كائناً يطوف حولها ، يردعها من أن تتجسد، لتظل الهيولى في طيف المعاني
تشرق هي من فوق الجبال إثر كوكب لا يمت للأرض بصلة ، لكل ذلك ستظل بعيدة ، فهي تخاف الحب كما يفهمه الحبيب وتحب ما لا يقوى على احتماله ، أغوته دون قصد الإساءة فهي امرأة غريبة الأطوار وهو النهم في طور الحبو حول بئر لغويّ قد يغرقه
فهي لن تسمح لأوهامه أن تتسكع بين أصابعها لأنه غير قادر على لجم قبلاته ولا يستطيع لملمة ما علق من همساته فرجلها كائن خفي لا يظهر إلا بين أحرفها
تطلب منه أن يأخذ يدها للرقص في السماء ، نبوءة ماطرة على سفح الماء ، إيقاع ، موج جارف ويدعها تتهاوى فوق كل الفتاوى فالحب لا يبطل الصوم فلا منسك غير قلبه لتتعبد
هي الطفلة التي نسيت أن تكبر ، داهمتها اللغة والجسد ، أبجديات العهر والقهر وهي تحبو بين الحفر والجهل ، تلاعب الخشية والدهشة ، الريبة والريح ، توشحت الحب والحرب وأفكار الله الحسنى ومازالت تنتظر العمر أن يأتي ولن يأتي
نسيت عمرها في أحضان الطفولة وهرمت
في حوزتها قلب وامرأة غير قابلة للتهجئة ، لها قارئ واحد ومفاصل متحركة بين دفات أوراقها … دقات قلبه
تسكن وحدتها وغرباءها وبعض أوجاع مزمنة فالقلم يجف في حلقه الكلام ، والسرير لا يتسع لسرد واقعة الموت ، والأوطان أضحت مقابر جماعية ، تراود شهوة الرحيل …
مبعثرة هي ، وهو الروح فكيف تلملم شتاتها ؟ تحبه لتحيا وتحيا لتحبه كدوار الشمس بوصلتها وجهه ومدارها السماء
فالحبيب يرغب أن تضيعه بين أقلامها ، تعيد اكتشافه وتقبّله من وعيه حتى آخر أنفاسه وتسحره
وهي تطلب منه أن يتركها لموتها فلن تكرر اغتيالها فقد غار قمرها فوق تلال بعيدة وكانت غريبة وحيدة أضاعته في غمرة اشتعالها
لكنها للشمس ، للبحر ، للسماء ، لعينيه المرسومة بالكلمات تصلي فهي لن تتخطى عمر الورود وهي في بستانه تتفتح كل يوم زهرة
يكلمها عن حب نسيته وهي تخبره عن حب لم يعرفه فأقسى ما يكون هو السقوط في سوء الفهم العاطفي
فهي ليست حواء المعهودة في ولائم الأسرّة ، ليست اللعوب الشهية والتي لها من الغواية قفران وطحالب ، تفتقر لفاتحة الضوء ويغشيها الظلام
شاعرتنا تلك التي محت أناها في الذوبان ، تلك الشواطئ الصخرية التي صفعها المد و براها الطوفان ، بريئة ، عند حواف الليل تغسل بقايا الشمس لتمحو الغبار ، موطنها محافل مصلين يستخيرون الشوك أن يصير دالية والحانة تستسقي النادل أن يسكب الخمر في الخوابي التعبة
إن عانقها الحبيب فليتذكر أن جدائلها تلف القمر المنسي على وجه البحر وأن شباكها ضحلة لا تفك ضحكتها القبل ، شفتاها قفيرٌ شَغِف لا يتلو غير القبل ، فليحذر أن يغفو في مداها ، شاسع بحرها ، والصيد في أعماقها سبيل الانتحار
تتوجس الشاعرة خشية أن يكون الواقع هو الحقيقة المطلقة وأن تكون الأحلام مجرد غفوة
الأنثى ، عقدة ونقطتان ، هي تاؤنا المربوطة من عنقها ، رحم رحوم على فجوة دامية ، دمية قاصرة ، تحتضن ما لفظه البحر في لفافة نابضة وتكبر بين حدقتيها الغواية
فالحقيقة فاضحة تراها وتستعيذ من جهل بعض (العقال) فالمفترض أن تكون الحكمة عقل وتعقل ومعرفة
لم يدركوا أنها ليست خبيئة جسدها ففي صراع الديوك ، الضحية ليست دوماً دجاجة
تقسم شاعرتنا بالخمر الذي بينها وبين الحبيب أن الجسد ليس آفة مدنسة بالمعاصي فحين تشتاقه تغور عقارب الوقت الأرعن بين زمانيهما فالحب ليس ضريحاً أو بيتاً ، فليمضِ نحو الغيب بين أناها الحي و أناه الميت ، بينها وبينه ألف حياة وألف موت
هي تحبه بالمجاز المتاح للصرف في قواميس الرغبات كلها وتصمت عن أكثر التفاصيل فالمعنى لديها ليس في قلب الشاعر بل من قلب الله ، أجادت تدوير السكون ، سكنته فاعتقلها
تؤكد شاعرتنا أنك لتكون باحثاً لا بد أن يكون لك قضية ولتكون ناقداً لا بد أن تمتلك منقاراً وعين نسر وأن تكون أستاذاً في الآداب هذا لن يجعل منك أديباً ولا شاعراً ولا فيلسوفاً
هي جينات فكرية تكتسب من رحم الأرواح البليغة والبالغة للرشد الفكري حتى لو لم تدخل في مدارس الحرف إلا أوفرها ، فمن لا يقرأ ذاته جيداً لن يجيد الكتابة أبداً ، و كل محاولاته ستبقى سطحية أو مقلدة …
الأمومة تؤجل الأنوثة إلى موعد فائق والاستلحاق يحتاج لزوج فهيم يعيدها للحب والاهتمام.
هي لم تكلف نفسها إلا وسعها ، أحبته فكانت الأجمل وتشبثت لأن الحب إيمانٌ بشفاعته يتأنسن الإنسان
في مراسم الحب تموت الأزهار في جنازات متلاحقة ، طقوس الحب عابرة ، تولد الرغبة لتموت الحياة ، فاختلاس لحظة لن يفي النبض ولا أفياء الجنة على الأرض
تناجي قلبها أن يخرج من الدوائرالضيقة ليكون للحب منارة عشاق …
الفقير أكثرنا صوماً ، قد يكون صائماً بالفطرة ، دمه جوع ممدود للسماء ، خبزه كفاف يباسٍ في كفه الموجوع ، يتبرج كل وضوء بماء وصابون وتراتيل طاعناً بالشحوب والندوب
أما التعب فيركع و ينسى موعد أطفاله الجياع ، يلوذ بالصلاة ، يتضرع شاكياً باكياً تكظمه حمى الأرزاق المتوكلة ، يمسح بكفيه صليب وجهه وأعمدة المدائن ، ينشد الصلاة وحده شاكراً ربه على نعمه الكثيرة …
والعرب ، بين المعروف والمنكر تلهّوا بالجهل …
حبيب شاعرتنا يناديها بالساهرة الأبدية في حدقة الضوء الخفيّ وهي ستخرج عن إغماضة الحبر ليجدها بين ذراعيه ، تطلب أن يضمها لتغفو على صدره ، يضمها إلى ترابه ، تبحث عن الحرية وتكسر القفص لتطير إليه ، صارت صرخة في الفضاء تريد الغناء عن علو شاهق وتُدفن في ترابه نبتة أصيلة فعمرٌ واحد لن يكفي لإتمام رسالة الحب ، تدعوه لتحبه في أعمارها اللاحقة ، لتحبه بكل لغات النبض فهي وحبيبها كالشفق ، التماسٌ بين رغبتين لا تلتقيان ، طيفان في عناق …
فالسعادة الزوجية أن تكوني شعورياً على ذمة العشق لا على ذمة رجل ، يغدو بليغاً حين يحبها كما القصيدة الحرة لا صدر ، لا عجز ولا قوافٍ فالحب مثل الشعر (فكرة)
في قلبها عين ثالثة تراه وتحبه كي تحبه.
فلسفة الحب لدى شاعرتنا في افتراقهما أكثر التصاقاً وفي لقائهما أكثر خشوعاً.
تجد شاعرتنا أن الواقع مرير والمجتمع يحتاج للترقية لا الانغماس في البؤر الملوثة ، و يتضح الزيف في المجتمع الثقافي إذ تجد البعض يضيع وقته بالنميمة والغمز واللمز فالثقافة أخلاق أولاً …
تناجي الجميع تعليم أولادهم الحب وأدب الحياة قبل طقوس الصلاة فالحب المادي يتطور ليصل مسرفاً حيث ينتهي أما الحب الحقيقي فلا يصل ولا ينتهي ، هو بدايات لا تعرف الاستكانة.
في مدن الشرق يعلمون أولادهم الصيد والقنص وأكل اللحم النيء على موائد الخمر والجنس ، ينحرون الخراف متباهين ويلطخون بدمها أبواب المزارات وعتبات البيوت المأهولة
عندهم الحب رذيلة والقتل بطولة
فضائل الشرق أنياب تلوك الدم بالتهليل والتكبير
فالتقوى بلغة العصر كلمة مطاطة فيها من البارانويا الاجتماعية ما يوصل إلى الشيزوفرينيا ، خلل في تركيبة الوعي بالإيمان …
فما أحوجنا لانقلاب فكري يطيح بكل رموز الفساد الدينية والسياسية ، آن للوجع أن يخلص من المسكنات والخطابات والتنكيل بإنسانيتنا
فقه الفساد أن تصفق للفاسدين بحكم القبلية ، تقدم لهم الكراسي الأمامية ، تنظم مراسم الولاء عند كل زفة ، أن تكون غيرة الدين فوق كرامتك الإنسانية ، تباع وتشترى صامتاً ، تتحول إلى سلعة عرضةً لنهاية صلاحية بمرسوم أرعن ، ندفن الشهداء بحفل وطني دون مطالبة بحقهم
فالديك-تاتورية نفوذ الديكة على الصيصان
ويمكن لدجاجة أن تفقأ عينه لأجل سلامها الاجتماعي وحقها بالطيران فهي اليوم بعد شدة الموت أكثر يقظة من كل الحضور على التقويم الجنائزي القبلي ، ارتضت أن تكون جثة وإنما تموت حرة
بسطت كفها للجياع ، ملجأ للطيور الشاردة ، تنشد السلام
فالقلم لا يليق لغير كلام الحق والحب فمن يردع امرأة عن الحرية جبان
قوة الحياة من صناعة عاشقي الله في عباده لذا فلا حياة كريمة لأن عشاق السلطة قتلوا ذات الله في غيرهم وفصّلوها على مقامهم المزيف
ابحث عن الحرية وتبرأ من سجانك فالروح حرة
لن يكترث الله لك مهما أكثرت من الصلاة فهناك من يحتاجك لخيرٍ تقدِر عليه فلا تتهرب ” أنسن نفسك لتتأله “
فالحب أفعلُ صابونٍ وأشذى عطر للوقاية من أوبئة العصر
في الحب : الفارس الأخير هو الرابح الأول
فالفلسفة تبدأ بالدهشة وتنتهي بالتوحد
تشكر شاعرتنا كل من احتملها وساندها لتقتلع جذورها ، لتنبت في الريح شجرة هوائية الأغصان ، لا تلتقطها أسافين الانتماء وبهلوانياته
غريبة هي ، جمحت تثري نفسها بالجنون تغادر القبيلة وشيوخها ، تصنع شيخها من حبق المعاني فلا ينتظرها أحدكم
تريد أن تبني وحبيبها بيتاً فوق هضاب الغيم ، يكحلاه بأوهام مقمرة وضحكتين فقد ضاقت بهما الأمكنة كلها ، في الفضاء لا تموت النجوم ولا تفنى الأوطان
نهدها مرتع أورام ، أبت أن ترضع طفلها التخلف والألم ، تركته يحبو خارج رحمها ، تنحر الأفكار الخبيثة ، فنهدها تفاحة غير قابلة للقضم
مهمة الشعر لدى شاعرتنا أن يخلق لكل قصيدة حبيباً ، ينساه في نهايتها ويبحث عن حب جديد فالحب لعبة حظ ، الحب ميثاق ، سعادته الورد ، عرضة للشوك واليباس وانقطاع الأنفاس فلا جوع مع الحب ، لا شبع ولا تخمة فهي امرأة مجنّحة عليه أن يأخذها بين ذراعيه ويقبلها ويسرد لعينيها باقي الأسرار لا أن يقفصها ويطلق عليها النار فهي تتعلق به ، تتدلى كسيل ينهمر ، بين الأهواء والهوى تحبه أكثر
بمناسبة اليوم العالمي للسلام تجد عالمها الداخلي أكثر اتساعاً وصخباً من المجتمعات العامة والخطابات والمنابر والتصفيق لذا تعتذر عن دفق العواطف إلا حيث تشاء فالسلام استسلام غالباً.
هي المتصوفة بين المجرات تراقب حراك النيازك حكمتها : الصفصاف امرأة تعاشر الريح لتلد أغنية والصاعقة ضوضاء رعشةٍ بين غيمتين والمغيب حياة اعتراها نعاس النشوة
لذا على حبيبها أن يعيدها إلى شريانه الأبهر فقد تعجزت ينابيع الحب كلها وما عادت تحتمل ، فسطوة اكتماله انبهار والباب إلى صدرها مفتاح غواية
فهو عطر رجل تنشقته شذىً شغوفاً مرّ على قصائدها ، حاكاها ، ضمت نظراته بين أحرفها عشقاً فواحاً
فيا أيتها اللغة القديسة : مارسي حبك جهارة ً ، كل كتب العشق سماوية ، لا وقت للحرب زمن الحب
فدون صوته كيف للعصفور أن يغرد وللقلب أن ينبض؟ كيف لحبه أن يصير أغنية ؟ فالحب ثقافة الاهتمام بشغف ، والزواج عن مصلحة عقد نفاقٍ بين غريبين إلى أجَلٍ قصير ، والزواج عن حب فهو خدعة غرائزية قصيرة الأمد أما الزواج عن تفاهم وإعجابٍ فكري فهو حب قادم بشغف
في ميثاق النسوة اختناق بين العقل والحجاب الحاجز كحظّ من ضمور الخطى منعاً للتألق ، هو فكر ملبد بالقمع والتجني وامرأة في مسارها عثرة ، رجل قوّام ، وقوم لا يرحمون
في القرى : كن بسيطاً كي لا يسخروا من معرفتك
في المدن : كن متبجحاً كي لا ترديك الأرصفة متسكعاً على ألسنة المارة والمقاهي
في وحدتك : حيث تكون أنت ، عليك أن تثرثر مع صمتك كي تدرك أن هنالك الكثير لتقوله
تؤكد شاعرتنا أن الرجولة معبد من طين وصدق وخفق وحرية فحبيبها هو الرجولة وآخر الكلمات يخبئها في عينيه فهي قد هربت من نفسها إليه ومازالت تترصدها
تدعو حبيبها ليعلن ثورة معها ، منها حرف ومنه ألف فالبوح خير انقلاب
فقه القبائل : كي تستغل الجهلة ، افتح بهم حلقة صراع يلتهون عنك ويتهيبون منك
لو عرفت المرأة مقدار ثقلها الثقافي لما توانت عن التهام كل المعارف المتاحة بدل المساحيق سواء أعجب الرجل أم لم يعجب فاللحاق باستراتيجيات الغواية الإعلامية العصرية أفسدت الذوق العام ومعايير الجمال
لأن شاعرتنا تنتمي لنفسها ملَكَتها ولم يمتلكها أحد ، ليست موضع تقييم في زمن اختلال الموازين الثقافية بالعلاقات العامة وأحمر الشفاه ، ليس من احتمال آخر للغباء
رغم هذا فهي لا تهاب غواياتها من شهقة الكلام ولا تهاب البوح ، تحصي قتلاها في معارك الغرام وتستثني حبيبها رجلاً لا يعد ولا يحصى فتضيع في مثواه متلعثمة في موتها لا تطاله غير نيزك في حشرجة أوهام
هي تمرست الخفاء غريبة في أعالي الصقيع والتمرد بين الأرواح المتوحدة
العقل آخر مربط لحريتها والحب آخر ما تبقى من طفولتها.
تؤكد شاعرتنا للرجل أنه حتى يفهم لغتها يجب أن يتخطى الأحرف العشقية وكل مسارات البرقع والوثن وجرائم الشرف العاهرة وأن يتجاوز الجسد وشياطينه السفلية ، أن يدرك أن شجرة النخيل يمكن أن تحبل بالعنب كما بأجنحة العصافير ومناقيدها ، أن الرجل وطن وبحر ومطر وأن حواء سماء بلا حواري لروحها رقصة لا تموت رجماً
قلبها إله يصلي ويضاجع لينجب الطين والقصائد والسلاطين ، ليحلق الرجل معها لا يحتاج لبطاقة سفر ولا إذن عبور، فالجسد مرآة النفس وقميصها العاري …
تتنبأ شاعرتنا أنهم سيشقون صدرها يوماً يجرحوه من الوريد إلى الوريد وينشغلون في لغطٍ جدليّ ، يستغربون أنه بين القطيع نورسة تنشد أبانا ، ركن من أركان أسلمت أنه واحد أحد ، قد سكنت على مفترق الشك فلم تبدِ الطاعة ولا الولاء
شكٌّ بكلّ من حرّف غايات الرسل والأنبياء والإيمان فيه
لدى شاعرتنا محفزات الكتابة والحب واحدة ، فالشغف والفانتازيوم مفقودان في زمن السيول الرديئة المبتذلة فويحٌ للقلم من ألم جفاف وخوف وويحٌ للقلب المركون للانتظار.
وهي تحنّ لتعقب مولاها لتنكش الحب من الرماد.
الجهل نقص في الثقافة وليس في العلم فالثقافة معرفة وتجاوز ، والعلم انحباس
قد تجد من يحميك من الغير أما من نفسك فلن يحميك غير الحب فأين تلتقي حبيبها وهي مسكونة فيه ؟
عليك أن تثقف نفسك بممارسة الحياة بأبجديات الحب الهادفة منعاً لفقر الحال وركاكة بصمة العبور فالرومانسية ليست صورة قلب محاطة بباقة ورد بل أن تحفر في الأوردة درباً للحب دون وسائل إيضاح فأغلى ثمار الجنة قلب عاشق يسكن مفردة مفقودة في السرائر البيضاء قبل السرير وبعده.
فلا أحد يحبها مثله لأنه لا يحبها لنفسه ، يحب معانقة نفسها فيه ، فهي قد خلعت جسدها لتُشهره إيمانَها ، وعدته أن ترسم وجهيهما على الرمل المالح ، فعاشقها ضبابي الهوى يدرك أنها في الليل تحبه أكثر ، لا تخشى الغياب فالشوق يحيي الركام ، في حبه مذاق خمر مسكون بكل الحواس وبعاده لن يجفف قلمها ، تعود لكهولتها المتقدمة تنتظر الدف لترقص رقصتها الغجرية ، تجر الماء لمرقدها ، تخشى مواسم التصحر فهذا الجسد الترابي إيقونة ومحجة فلا تدنسوه بغير العبادة مكتوب عليه بنقوش وثنية (لمن لا يجيد القراءة) هنا يسكن الشيطان وهنا يتبرعم الإنسان (ضوضاء المعاني)
هذا الغامض النابض بين العتمة والضوء يتجول ويتحول ، يد تمسك بالسر إلى أسئلة لا تجد الجواب : هنا الحياة ، هنا الممات ، وهناك في آخر الممر إله ينتظر …
يمارسان الحياة بحذافيرها الإنسانية ، يعلمها الصلاة وتعلمه الحياة ، يزرع زهرة وهي تراعيها ، هو قدرها وقمرها.
عليهم أن يعيدونا حيث رسمنا الله أشجاراً معمرة، عليهم أن يورثونا الحياة ، يقيلونا ، بئس ميراث ثَقُل من أحمال الأغلال ، عليهم أن يغادرونا.
فالرداءة حيث يتكلم العاقل في الخفاء خوفاً من الجاهل.
يده ويدها أسقطتا الحب من بين أصابعهما ووقّعتا على دمعتين ونهاية لكنها تسكن على مهب التوق ، أبعد نقطة من عينيه أقرب نقطة من قلبه ، بين منظور ومحظور ، مرتع الروح ، حد التجلي.
ليس من الضعف إن كنت في القمة ألا تصطاد النسور ولا من القوة أن تحلق معهم وتتجاوزهم فالهدف أن تكون بمعزل عن مخالبهم ومناقيرهم ، خذ من أعينهم قوة البصر والبصيرة ومن أجنحتهم المدى و حلق وحيداً
بالمختصر : كن العلامة الفارقة …
*** *** ***
شكراً غاوية مغوية لحرف يثير الدهشة ويحفز العقل والتعقل أمام شهقة أنثوية فارقة بامتياز …
شكراً شاعرتنا المبدعة سناء البنّا