ينشر موقع ” ميزان الزمان” الأدبي في بيروت الجزء الثاني من قصة وردت في كتاب ” رصاصة في الروح ” للكاتبة التونسية سلاف الفقراوي ..وذلك بعد أن فقدت الرواية من الاسواق والمكتبات التونسية , وعلى امل ان تصدرها الكاتبة في طبعة ثانية في وقت قريب.
هنا القسم الثاني من احدى قصص رواية ” رصاصة في القلب ” للكاتبة سلاف الفقراوي:
ألفة التي أصبحت سنيا لم تخبر حبيبها بماضيها ولا بنشاطها المتوهّج فجورا خشية فقدانه فهي الملاك الجميل الذي لم يحسن مؤمن بيتها إحاطته ورعايته، عرّفته بابنتها وحارسها آية الله التي زادت نضجا وفاقت والدتها دهاء، أتقنت الفتاة دورها وصادقت على كلام أمها.. وتلك كانت غايتها لسرقة ماله باسم الحب.. جاهد سفيان لإرضاء سنيا التي هي ألفة محققا كل أوامرها.. فهو يطعمها ولا يأكل.. يكسيها ويتعرّى.. بل ويمدُها بكامل مرتبه لتجود عليه إن تكرّمت بمصروفه الشهري من مال عمله الشاق.. يقول المثل التونسي (الدنيا دوّارة).
كانت سنيا التي هي في الأصل ألفة تأخذ صك متعتها في شكل مصروف وتكون سعيدة بذلك، موهمة نفسها بالفوز وبعد أن أنكرت دناءة حياتها السَّابقة أصبحت تدفع لناكحها وحبيبها سفيان صك متعته من مرتبه الخاص وكأنها تبحث عن مرهم لجروح نفسها تطيّب بها مذلّة بيعها لشرفها سابقا..
كان صادقا في ولائه لها.. عرّفها بأهله وقربها من أمه بصفتها أرملة أحبّها لنضالها وصبرها فجعل لها من مخيّلته تمثالا للمرأة العفيفة شاكرا ربّه لأنه الأول في حياتها فقرر الزواج منها.. والدته واجمة أمام قراره.. التحفت الصمت.. آمنت بالقدر وتركت ابنها يرسم قناعاته الشخصية دون تدخل منها.
يزداد عطاء سفيان حبا ونقدا.. ويزداد جشع سنيا لتستبيح جهده وصدقه لها.. طلباتها أوامر ورغباتها قانون أبرمه على كاهله محبة فيها..
إلا أن الضرع الذي أرهقت حلبه بدأ يجف فزاد من ساعات عمله لتتضاءل اللقاءات الممتعة بينهما.. حثته على السفر مع مشغله بين مدن تونس لتتنفّس دراهم وليزداد عطاءه المادي وقلبها اللّعوب يحمل من الخداع الكثير فهي تعده بالوفاء والصبر رغم ما ستجده من وحدة في غيابه.. وبدموع الحب المنمّق تودعه في انتظار تحويله للمال.. يحضنها سفيان آسفا لبعاده عنها وليس بقلبه غير الأمل ليجعل الخوف مستحيلا لمستقبل يجمعهما معا.. وذاك كان حلمه.
ضاقت ” ألفة” ضرعا بهذا الحصار العاطفي الذي ما عهدته فحنّت للمحافظ المكتنزة هباتها.. بدا عليها النفور من عشقه وفتات الأموال التي يهبها.. انبثقت من جديد..
وفي إحدى المكالمات الهاتفية بينهما سمع آهات صوتها تتأوه صبابة، وتوقد ذكورته فتنتابه قشعريرة من قمّة رأسه إلى أخمص قدميه وهو لا يعلم أن لحظتها غيره يهز خصرها.. استباحت طعنه واستغلاله.. استباحت خيانته واستغفاله بأسمى سلاح وأنبل المشاعر كذبا.. تواصل “ألفة” التمعش من الرذيلة.. هلك سفيان في حبها ولم يعد باستطاعته التحرّر من شباكها، خاصة أنها هدّدت بتركه إن شك في صدقها أو ارتاب في أمرها.. أصبحت تتجاهل مكالماته وتوهمه بوجود زوجها بجانبها فيصدقها ويهب لها جهده راضيا، ادّعت رفعها قضية في الطلاق وتكاليف المحاماة باهظة، فيطمئنها ويتداين لأجلها.. يمدّها بما أرادت فقط ليحرّر حبيبته ويتزوجها.. أخاطت رداء العفّة وأحسنت حبك دورها..
اشتدّ شوق سفيان لحبيبته العفيفة فطلب منها الحضور لأحضان تفتقد عطرها.. تعلّلت بالمرض.. سمع سعالها الشديد فازداد حيرة وخوفا عليها.. أصرّ أخذها إلى الطبيب فامتنعت وحذّرته من المجيء خوفا عليه من بطش زوجها الغيّور.. زاد قلق سفيان البائس المخذول الصادق حسّه ودّعته على الهاتف وسعالها الكاذب يزداد حدّة.. ليزداد قلقه على زنبقته الجميلة كذلك كان يسميها متباهيا بامتلاكه لها.. شقّ عليه مرضها فقرّر تجاوز كل الحواجز لأجلها واهبا لها روحه والدواء فما من رجولة تسمح له بترك حبيبته وزوجة الحلم بلا سند..
أسرّ سفيان بمكنون قلبه لأخته وأظهر شدّة رغبته في الاطمئنان عليها فأشارت عليه أن يدلها على بيتها فتسعفها بشوقه وتنقل إليها خوفه الشديد على صحّتها فمن اللائق أن يقدّم الرجل الحبّ أوّلا وأخرا ..
يتباهي سفيان بخصال حبيبته سنيا أمام صديقه وأخته قائلا: ليس لمثل زنبقتي مثيل وليس لأخلاقها شبيه فقد رمتنا الأقدار في حبّ لم يكن مقدّرا.. إن مصدر تعاستها أن تعيش تحت سقف زوج يكبرها بنصف سنّها يمعن في إذلالها وإلحاق الأذى بها رغم صبرها عليه ووفائها له.. وإني جاهدت لاستمالة قلبها دون أن أعلم بحياتها ولقد ازداد هيامي بعد أن عرفت ما تكابده من إهمال..
وبحماس الواثق من أمره يضيف سفيان:
امرأة شريفة أعشق فيها حبّها ووفائها لي.. تكابد زنبقتي لأجلي كل المصاعب لترضيني فعزمت على الزّواج منها واحتضان بناتها فلا تفترقن عنها.. رقّ قلب صديقه لهما.. وأبدى انبهاره بصبرها وتضحياتها الجسيمة مع زوج لا يفقه لأقدس رابط في الحياة.
يواصل سفيان افتخاره بزوجة المستقبل.. يعدد لصديقه خصال ملاكه العفيف… ينبهر الأخير ولعله من خلال شغف سفيان بأخلاقها.. عطف عليها وأحبّها له.. فينصحه بإجراء أوراق طلاقها وإنقاذها منه..
تسلّح بعشق الرجل الشرقي الصادق وباقة ورد وعلب دواء الأنفلونزا وكثير من أنواع الغلال وانطلق لحبيبته.. بأبهى قلب يزكيه الحب وعلى الطريق الرئيسي لبيتها، أوقف صديقه سيارته لتنزل حمامة الحب بورودها لتعود (سنيا)، فجـأة مسكها من ذراعها منعها النزول.. وجم سفيان.. ارتعب لما رأى..
حبيبته على الطريق العام بكامل أناقتها ومساحيقها وعافيتها تنتظر أمرا لا يفهمه.. يسحب هاتفه.. مال وجهه إلى الاصفرار تجيبه على الهاتف تتمارض بصوتها وتشكو له حرارة جسدها..
يندثر من بين ضلوعه الصدق فيسألها:
– هل أنت دافئة الآن حبيبتي؟
تجيبه اللعوب:
– لا تقلق حبيبي فأنا دافئة تحت الغطاء أنشد الراحة وسأنام قريبا فقد غلبني النعاس.
ما أكرم حسّها إذا ترجته أن لا يقلق لأجلها، فحزنه يعذبها.. أراد التأكد من غبائه القديم فسألها :
– إن شئت حبيبتي أتيتك بالدواء؟
تجيبه مستنكرة:
سأنام حبيبي لا ترهق نفسك ولن أستطيع لأجلك الخروج الآن خشية شكوك زوجي..
أصر عليها أن تترك هاتفها متّصلا فيسمع صوتها كل حين ليطمئن، فأذعنت مكرهة.. أرسلت قبلاتها المعتادة بزيف شوقها وهي تتثاءب نعاسا.. هكذا أرادت إيهامه، فتظاهر بتصديقها..
( يتبع في الجزء الثالث / قريبا )
شكرا لجريدة الزمان للحفاوة العظيمة بروايتي وكل الاحترام للاستاذ يوسف رقة رئيس التحرير كل الاحترام سيدي لكل طاقم الادارة وأرجوا لكل متابعيننا الأعزاء المتعة في القراءة والتشويق في الأحداث