( نقلا عن موقع “ضفة ثالثة” )
زينة دكاش: حُكم السجناء “لحين الشفاء” يعني “لحين الموت“!
حاورتها: دارين حوماني
ينص قانون العقوبات اللبناني الصادر عام 1943 على أن: “كلّ مجنون، كلّ معتوه، كلّ ممسوس ارتكب جرمًا يوضع في مأوى احترازي في السجن إلى حين الشفاء!”، هذه المرة حملت المخرجة والممثلة والمعالجة النفسية اللبنانية زينة دكاش كاميرتها وتوجهت إلى ذلك “المأوى”، المسمى “المبنى الأزرق” في أكبر سجن في لبنان، سجن “رومية” الواقع شرق بيروت. هناك كانت الكاميرا تلتقط أسى ذلك المكان، الحياة القلقة السابقة والحالية لساكنيه، تقترب من أعينهم، حركات أيديهم، أطباق الصحون البلاستيكية، شقوق الجدران الرطبة التي تحيط بهم، أصواتهم التي تدخل إلى ذواتنا ولا تخرج بعدها. المقيمون في “المبنى الأزرق” هم مساجين يعانون من اضطرابات نفسية وعقلية، سيمكثون فيه لحين الشفاء، لكن من يقرّر شفاءهم في بلد عاجز عن الشفاء، “ولا مرة إجا طبيب من المحكمة ليشوف سجين ويعطي تقرير”، هم متروكون تمامًا، “العسكري ما رح يطلع يحمّمن، أنا بحمّمن”، يقول أحد السجناء. بعينيّ “عيتاني”، الذي كان أستاذ رياضيات قبل دخوله السجن، يفكر في حاصل ضرب “24 و 24″، وبصوت زينة دكاش تسأله عن ذلك، يبدأ الوثائقي “السجناء الزرق” The Blue Inmates (1:15 د)، الذي عُرض في افتتاح مهرجان الجونة السينمائي مؤخرًا، وهو الفيلم الوثائقي الثالث لدكاش عن السجون اللبنانية بعد “12 لبناني غاضب” و”يوميات شهرزاد”. وثائقي محمّل بعذابات وجوه وأصوات سجناء مضطربين نفسيًا، يريدون أن يتكلموا فقط، تحثّهم زينة دكاش على كسر موتهم وصمتهم المزمن، تعيدهم إلى الحياة من جديد، إلى أن ينتهي الفيلم مع “طقطق” يتطلّع إلى بيروت من خلف قضبان السجن مردّدًا: “بيروت… مدينة على الفاضي”..
“المقيمون في “المبنى الأزرق” هم مساجين يعانون من اضطرابات نفسية وعقلية، سيمكثون فيه لحين الشفاء، لكن من يقرّر شفاءهم في بلد عاجز عن الشفاء”
لا تسعى دكاش إلا إلى علاج أولئك المقيمين خلف القضبان، تحتاج أحوالهم إلى مكبرات صوت، ففكرت في إعداد مسرحيات لهم وأفلام عنهم علّ ذلك يوصل معاناتهم إلى السلطات والمجتمع، ومع كل عمل لها إنساني بالكامل ستغيّر زينة دكاش قوانين وتحصد جوائز. والسجن بالنسبة لها قد يكون معنويًا، فقد تتبّعت سابقًا عبودية الخادمات الأجنبيات في لبنان وقدّمت لهم عملًا مسرحيًا تمكنت من خلاله من تعديل قانون يخص حريتهم وكرامتهم. دراستها للإخراج لم تُشعرها بالاكتفاء، ثمة متروكون يجب أن تقترب منهم، أن تقرّبنا منهم. حازت دكاش على شهادة بكالوريوس في الدراسات المسرحية وعلى شهادة ماجستير في علم النفس السريري، وهي مدرّبة معتمدة / مُعالجة بالدراما مُسجّلة لدى جمعية أميركا الشمالية للعلاج بالدراما NADTA. عام 2007 أسّست “المركز اللبناني للعلاج بالدراما “كثارسيس”. ونالت دكاش أكثر من 15 جائزة من عدد من الدول العالمية والعربية. عن فيلم “السجناء الزرق” وعن أعمالها الأخرى كان لضفة ثالثة معها هذا الحوار:
(*) “السجناء الزرق” فيلم يتناول قضية من قضايا بلادنا الحزينة، لماذا اخترت تقصير المسافة بيننا وبين هؤلاء السجناء تحديدًا؟
هي الأسباب نفسها التي كانت منذ بدأتُ عام 2007 بالعمل على فيلم “12 لبناني غاضب” ثم فيلم “يوميات شهرزاد”، لأن هذا المكان منسي، ليس لدينا وصول إليه. ماذا نتذكر منه؟ منذ مراهقتنا يردّدون في التلفزيون “شغب في حبس رومية، سجين شنق نفسه في رومية…”، هذا كل ما نعرفه عن رومية، لكن هل هذا كل شيء عن هذا المكان؟ سجناء يُحكى عنهم فقط أنهم مجرمون. لهذا كان سجن رومية أحد خياراتي، أن أشتغل على علاج للسجناء، كي أتعرّف عليهم وكي يتعرّفوا هم على أنفسهم، وأن أوصل أصواتهم إلى خارج السجن، لأنهم موجودون في مكان لا يمكنهم إيصال صوتهم إلى العالم. لماذا وصلتُ إلى المرضى النفسيين في المبنى الأزرق برومية؟ لأن هذا العمل هو عمل إنساني أكثر من مهم وضروري. عام 2012 علمتُ أن في السجن مرضى نفسيين. بالصدفة كنتُ في حبس النساء أعمل على دورات علاج بالدراما، وفجأة تدخل فتاة لتشارك معنا، اسمها فاطمة، ورأسًا سوف تدركين أنها تعاني من أمراض نفسية، كانت المرة الأولى التي أرى فيها أمامي علنًا وبشكل واضح مريضة لديها هذيان بهذا الشكل، ويتهيأ لها أشياء وتتكلم بطريقة لا نفهمها. في ذلك الوقت سألتُ عن حُكم المحكمة في حقها، فإذ بي أقرأ أن الحُكم يتضمّن “لحين الشفاء”. بحثتُ في قانون العقوبات اللبناني، والصدمة أن هذا القانون مكتوب سنة 1943 وستقرأين فيه “إذا مجنون، ممسوس، معتوه…”؛ نحن أين الآن، عام 2021 لا يزال الحكم نفسه ولا يزال القضاء يطلق نفس التسمية على المضطرب نفسيًا، معتوه وممسوس… مضى على هذه القصة 9 سنوات، فتشت مباشرة عن تمويل طويل الأمد، وتطلّب الأمر سنتين قبل أن أبدأ بالعمل. عام 2016 قدّمنا مشروع تعديل لهذا القانون للبرلمان اللبناني. منذ العام 2016 وأنا أعمل مع المرضى النفسيين في سجن رومية، والآن أبصر الفيلم النور، احتجنا وقتًا طويلًا لنحقق شيئًا ما، ولا زلنا ننتظر أن يتم إقرار القانون الجديد لهؤلاء المرضى. كانت صدمة لي أن أقرأ “لحين الشفاء”، بمعنى آخر “حتى يموتون”. نحن أمام شخص مريض مسجون بمرضه، ثم نسجنه إلى أبد الآبدين، أي أنه سيخرج ميتًا من السجن، كيف نكون أمام هذا الوضع ولا نحمل هذه القضية ونقرّبها للعالم. إذا نظرتِ إلى كل عائلة في لبنان، من غير الضروري العائلة الصغيرة، العائلة الكبيرة، في كل عائلة هناك شخص مريض، ليس من عائلة في لبنان من دون مريض نفسي. بلد مرّت عليه حروب أهلية وموت مجاني ومجازر وانفجارات وصدمات، كعالمة نفس أقول لك كل عائلة لديها أحد مريض أو طرف من مرض، من المهم أن أشارك في توعية العالم أن ينتبهوا إلى المريض الذي يقيم بينهم، يجب أن يلتزم بأدويته، وأن يُعامل بشكل جيد وإلا فإن جريمة يمكن أن تحصل. هذا الشخص ليس لديه القدرة لأن يسيطر على دماغه وسوف ينتهي بمصيبة أخرى عنوانها “لحين الشفاء”.
“كان سجن رومية أحد خياراتي، أن أشتغل على علاج للسجناء، كي أتعرّف عليهم وكي يتعرّفوا هم على أنفسهم، وأن أوصل أصواتهم إلى خارج السجن، لأنهم موجودون في مكان لا يمكنهم إيصال صوتهم إلى العالم“
(*) في الفيلم عودة إلى طفولة طفيلي، علي، عيتاني، طقطق، تليجي… والآخرين، هل هي رغبة منك في احتكاك هؤلاء السجناء بماضيهم من جديد؟ كيف تلعب إعادة هذا الشريط الفيلمي عن حيواتهم ونبش ذواتهم دورًا في تغذية إحساسهم بالحياة من جديد؟
كمعالجة نفسية دخلت إلى سجن رومية لأعمل مع سجناء مرضى، وجدتُ أمامي 30 إلى 35 مريضًا يعيشون بنفس الطابق، لا يتكلمون مع بعضهم، كل سجين منهم يعيش في عالمه المغلق. أنظر إلى السجين الأوعى من غيره فأجد أنه يهتم بالآخرين كما نرى في الفيلم، الأوعى فيهم يحمّمهم، يأتي بالطعام لهم، ولا يوجد أي حديث بين بعضهم البعض، أطول حديث هو “كيفك.. منيح”. بدأت أعمل على دورات العلاج بالدراما كي يبدأ كل سجين منهم بتذكّر أي شيء عن نفسه ومن حياته. فقد كانت حياة كل واحد منهم محصورة بأن يأكل ويشرب وينام ويتكلم مع نفسه. هذه الجلسات التي يعرضها الفيلم تم العمل عليها بعد سنة من دورات عديدة. كان كل حديث في البداية بسيطًا، بدأت بجلسات تمرين للتركيز لمدة 45 دقيقة فقط لكي يعي كل واحد منهم أنه يمكنه أن يركّز، فهؤلاء الأشخاص لديهم قصور في التركيز ووضعهم الذهني ليس كأي شخص طبيعي. مرة بعد أخرى، بدأت الجلسات تطول حتى ساعة ثم ساعة ونصف، وفي كل مرة أحاول أن أنكش في ذاكرتهم، كان التذكر يأخذ وقتًا ثم يقدرون على ذلك. منهم من قال إنه كان لديه أكواريوم عندما كان طفلًا، وشخص آخر قال إنه كان يحب ابنة الجيران، ثم فيما بعد تذكر اسمها. أي إنهم كانوا يحتاجون لجهد لتنشيط خلايا الدماغ لتعمل من جديد. عندما كان كل واحد يبدأ بالتذكر نشعر به يقول “أنا كان عندي حياة، فلأتذكرها”، وهكذا يبدأ التفاعل وتنطلق الأحاديث بين بعضهم البعض، ثم أتركهم وأذهب لأعرف فيما بعد أن عيتاني مثلًا أكمل الحديث مع طقطق وقال له “هيك يعني، كان عندك بسكلات!”. إضافة إلى ذلك، عملت على دورات مع هؤلاء السجناء ومع السجناء العاديين لأعرّفهم على “المرض النفسي”، وأخبرهم ماذا يعني “فصام”، وبأي عمر يبدأ، لكي يكونوا واعين إزاء ما حدث معهم. هؤلاء السجناء كانوا يعيشون في قرى. منهم من تقول عنه أمه إنه مجنون وإن الشيطان قد سكنه، ويأتون له بالشيخ وآخر يأتون له بالخوري لكي يُخرج الشيطان منه. وبعد جلسات العلاج تكوّن لديهم وعي عن حالاتهم النفسية.
“دخلت إلى سجن رومية، وجدتُ أمامي 30 إلى 35 مريضًا يعيشون بنفس الطابق، لا يتكلمون مع بعضهم، كل سجين منهم يعيش في عالمه المغلق. أنظر إلى السجين الأوعى من غيره فأجد أنه يهتم بالآخرين كما نرى في الفيلم، الأوعى فيهم يحمّمهم“
(*) في الوثائقي أيضًا اعترافات قصوى لدى بعض السجناء بالقتل وفي مكان آخر ثمة يقين آخر بعدم الشفاء بسبب عدم اهتمام الدولة بتأمين أطباء لهم. بين الاعتراف على مكان ممسرح أمام أشخاص يشعر السجين أنهم سينظرون إليه كضحية أكثر من كونه الجلاد ما قد يخفّف ويريح من الاضطراب في داخله، وبين يقينه بالبقاء أبدًا في هذه المكان، كيف يمكنهم الوصول إلى هدفهم في ظل هذه المعاناة العميقة؟
هذا المشروع تطلّب ثلاث سنوات عمل. الكاميرا هي جزء من العمل، نحن بالتأكيد نقول للسجناء إننا هنا لنساعدكم لتوصلوا أصواتكم، لكنهم لا يستمرون على هذا اليقين، وليس هذا ما يدفعهم ليتحدثوا. إنهم يحكون ليس لإيصال أصواتهم، هم يتذكرون ويحكون فقط ليخبروا الآخرين في السجن الذين يعيشون معهم عن طفولتهم وحياتهم، ثم يقولون “لماذا لا يأتي أطباء لمساعدتنا”. هو يخبرنا ذلك لأجل نفسه بعد أن وعى لما يحصل له، أنا التي أقصد أن أوصل الرسالة وأصواتهم إلى السلطات وأصحاب القرار وأهاليهم والمجتمع، وكل شخص منهم على يقين إنني في الأخير سأوصل معاناتهم، ولكن هذا ليس الهاجس الذي يدور في رأسهم وهم يتحدثون.
الفقر والمعاناة من أبرز أسباب الجريمة
(*) أهمية الفيلم ليس فقط في جذبنا إلى معاناة تلك المنطقة المتروكة من قبل الدولة، إنه يخبرنا عن أسباب وجود هؤلاء السجناء في المبنى الأزرق، “أنا ما شفت إمي، وبيّ كان قاسي يربطني بالجنزير ويحمّي السكينة ويحرقني فيها”، “ما كنت لاقي شغل، يوعدوني وما يبعتوا وراي، صار معي أعصاب ضربت بيّ بسكينة وتوفى”، “من لما كان عمري 5 سنين بتعاطى حشيشة، كانت الداية تحطلي القنبز ويضحكوا هي وإمي كيف أرقص من بعد هيك”، “بس خلصت الحرب انصدمت، متل حدا فاتح دكانة وتسكرت، كنت ضابط بالحزب، وهول للي علقولي اياهن ع كتافي طبات بيبسي أو نجوم”، وكأننا أمام جردة حساب لمشكلات مجتمعنا الغائرة في العمق، هل تريد زينة دكاش أن تضع إصبعنا على الندوب والجروح، إلى أيّ حدّ يمكن أن يكون هناك أمل بالتأثير على مسبّبي هذه الندوب؟
بالتأكيد كل جريمة نقول إن 50% من أسبابها هو المجتمع، الحالة الاقتصادية في البلاد، السياسة وحروبها، و50% تكون الجريمة قرارًا شخصيًا. الأفراد المريضون ليس عندهم قرار، هناك خلايا في الدماغ تشتغل بطريقة مختلفة. لكن كل السجناء في لبنان وكيفما اتجهنا فإن الجريمة سببها الفقر والمعاناة. السجناء الذين تتراوح أعمارهم بين 50 و60 كانوا بأغلبيتهم بالأحزاب، نسألهم، أين كنت؟ كنت بالأحزاب.. أين كنت؟ تأذيت في الحرب. أين كنت؟ كنتُ أحارب إسرائيل. أين كنت؟ كنتُ في القوات… وإذا عدنا لتاريخ طب المرض النفسي، ندرك أن حدثًا ما يحصل للمريض يدفع المرض للظهور بشكل واضح وقوي، أي إننا نحمل هذا المرض نوعًا ما في الخلايا، يكون موجودًا في تاريخ العائلة، ولكن يبرز المرض من جراء صدمة أو حدث صعب أو ضغط نفسي، وهكذا تبدأ النوبات بالظهور. وكما يُظهر الفيلم، عيتاني، طقطق، روجيه… هؤلاء أتوا من عز الحرب الأهلية. طقطق كان في أحد الأحزاب، وعيتاني أيضًا، بينما كانت الحرب مشتعلة والقذائف تسقط، يحمل البارودة ويقتل والده. الفيلم لا يدخل في هذه التفاصيل، لكن طبعًا يخبرك الفيلم أن كل الجرائم هي بسبب ما يحدث داخل البلد والمجتمع، وبوجود بلد فيه كل هذه المصائب توقعوا هذه النتيجة. لو أننا في مجتمع يحمي أبناءه وحتى لو كانوا محمّلين بأمراض نفسية فإنهم لن يصلوا إلى ما وصلوا إليه. وهذا ما كنتُ أحاول العمل على إيصاله. عدا أنه لا يوجد اهتمام بأسباب هذه الجرائم، أقول من خلال الفيلم: انظروا في أوضاعهم واهتموا ولو قليلًا بالنتائج. ولأجل هذا فإنني عندما أقدّم أفلامي يكون أول المدعوّين صانعي القرار والنواب والوزراء، أقول: تعالوا شاهدوا وافهموا هؤلاء السجناء، بدلًا من الحديث عنهم بشكل سيء، فأنتم الأم وهم أولادكم. السجين لم يرتكب جريمة لأنه أحبّ أن يفعل ذلك، “طلع براسو إنو يقتل”، يجب أن نعرف أننا مساهمون بما يحدث في مجتمعنا.
“هدفي ليس أن أشتغل على فيلم روائي لأكون مخرجة، هدفي أن أوصل الصوت، وهدفي أن أؤرشف وأن أعرض ذلك على جميع المواطنين الذين لا يمكنهم الدخول إلى السجن لمعرفة وفهم ماذا يحصل هناك“
(*) عام 2009 أنجزتِ أول وثائقي لك “12 لبناني غاضب” عن سجناء “رومية” وفي عام 2013 أنجزتِ “يوميات شهرزاد” عن سجينات “بعبدا”، والآن تدخلين مبنى السجناء المضطربين نفسيًا الأزرق، ألم يكن الدخول في عالم الإخراج من هذه الأمكنة مغامرة، ألم تشعري بالخوف من اختيار هذه الطريق بدلًا من الأفلام الروائية؟
سؤالك جميل، أنا بالأصل ابنة مسرح كما تعرفينني، كممثلة ومخرجة مسرح، درست أول سنة سينما، ثم كان علينا أن نختار بين المسرح والسينما فاخترت المسرح، لكن مع الوقت بدأت أفهم أن المسرح بالتأكيد يأخذ العقل والكيان بعيدًا ويوصل الصورة ونعبّر من خلاله عن كل ما نشعر به، ولكن السينما تسافر أبعد وأبعد من المسرح. لذلك عندما بدأت بتصوير فيلم “12 لبناني غاضب” لم يكن عندي أي هدف لإنتاج فيلم. كنتُ أحمل الكاميرا وأصوّر من 3 صباحًا حتى 3 مساءً من أجل أرشفة الشغل. وكان في بالي أنه يمكن أن أستخدم هذه المقاطع المصوّرة ضمن حلقات توعية للمدارس أو في الجامعات والنوادي. كنتُ أشتغل مع السجناء على مسرحية “12 لبناني غاضب”، عندما انتهى عرض المسرحية، وجدت أنه لديّ 250 ساعة تصوير، وبدأت أشاهدهم أنا وصديقتي المصورة جوسلين أبي جبرايل، وهي قالت لي أن هناك أفلام داخل هذه المقاطع المصورة، ويمكن أن تصبح فيلمًا وثائقيًا كاملًا. وهذا ما حصل، وعندما حصد الفيلم جوائز عالمية، واستطاع أن يطبّق قانون رقم 463 “تخفيض عقوبة حسن سلوك”، فرحتُ بنتيجة الفيلم أنه تمكّن من إيصال الصوت بشكل عظيم، عندها اشتغلت على مسرحية “يوميات شهرزاد” مع سجينات “بعبدا” ثم فيلم “يوميات شهرزاد”. فيما بعد، عام 2016 أضفت لكل عملي أن يتم وضع قانون منتَج من جمعيتنا “كثارسيس” عن المرضى النفسيين في السجن، بالتعاون مع وزارة العدل، التي عيّنت في ذلك الوقت “حمزة شرف الدين” لنعمل معًا على ذلك، ولا زلنا ننتظر إقرار القانون. تضمّن مشروع القانون دراسة نفسية تُظهر كم لدينا مرضى نفسيين بين السجناء. واشتغلنا على دراسة مقارنة بين القوانين في لبنان وفي البلدان الأخرى عن هؤلاء السجناء الذين يعانون من أمراض نفسية. تقولين لي أفلام روائية، أنا هدفي أساسًا ليس أن أشتغل على فيلم روائي لأكون مخرجة، هدفي أن أوصل الصوت، وهدفي أن أؤرشف وأن أعرض ذلك على جميع المواطنين الذين لا يمكنهم الدخول إلى السجن لمعرفة وفهم ماذا يحصل هناك.
(*) هذا الفيلم الذي يعالج قضية سجناء “رومية” ليس الأول، كما ذكرنا، إضافة إلى عروض مسرحية أخرى منها العرض المسرحي “جوهر في مهب الريح” من داخل السجن وبمشاركة تمثيلية للسجناء في معالجة بالدراما لهم، كل هذه الأعمال انتهت بلفت الانتباه إلى أمكنة مظلمة ومهملة، نود أن نعرف منك ما هي التأثيرات الفعلية لهذه الأعمال. مشروع القانون الذي اشتغلتم عليهم، هل يمكن أن ينتهي بإنتاج وضعية جيدة في القضاء لهؤلاء المحكومين والمتروكين غير المحكومين بعد عشرات السنين في السجن؟
القانون 463 المعني بتخفيض العقوبة لحُسن السلوك الذي أعلن عام 2002 لم يطبّق إلا في عام 2009 بعد مناصرة سجناء رومية من خلال العمل المسرحي “12 لبناني غاضب”، وحاليًا كما ذكرت هناك مشروع قانون تقدّمت به عام 2016 للبرلمان اللبناني (مع توقيع سبعة نوّاب لتعديل القانون للمرضى النفسيين مرتكبي الجرائم). عملنا على تغيير قوانين، وأرسلنا دعوات للقضاة والنواب والضباط وللإعلام وللجمهور من أجل التوعية. بعد آخر مسرحية “جوهر في مهب الريح” في سجن رومية، لم يتم وضع مشروع القانون فقط من خلال لقاءاتنا بحمزة شرف الدين، عملنا على لقاءات وحلقات بتمويل من الاتحاد الأوروبي واجتمعنا بعدد من القضاة، وعرضنا عليهم ماذا يحدث في السجن، وأن حُكم المحكمة هو “لحين الشفاء” بينما هو في الحقيقة “لحين الموت”. وهذه الحلقات أيضًا للضباط كي يعوا ماذا يوجد عندهم في السجون. لا تعتقدي أن كل وزير يعرف على ماذا ينص قانون العقوبات. كل وزير يأتي لا يعرف ماذا أقرّ الذي يسبقه. المسرحية التي اشتغلتها عن العاملات الأجنبيات في المنازل، أردت أن أوصل أصواتهن، يعشن مثل السجناء تمامًا، التقيت بعدد منهن، هن أخبرنني، كما فعل السجناء في رومية، عن وجود ثغرة في القانون. عرفت من إحداهن أن قرارًا صدر عام 2014 عن وزارة العدل أنني ككفيلة لهذه الخادمة، إذا عرفت أنها على علاقة مع أحد ما، أو تحب أحدهم، عليّ أن أبلغ الأمن العام اللبناني، وإلا سأسجن. عملنا مسرحية عن هذا القرار، ودعونا وزير العدل ووزير العمل لمشاهدة العرض، وبعد عرض المسرحية بشهر تم إلغاء القرار.
“عملنا على لقاءات وحلقات بتمويل من الاتحاد الأوروبي واجتمعنا بعدد من القضاة، وعرضنا عليهم ماذا يحدث في السجن، وأن حُكم المحكمة هو “لحين الشفاء” بينما هو في الحقيقة “لحين الموت”. وهذه الحلقات أيضًا للضباط كي يعوا ماذا يوجد عندهم في السجون“
للأسف، لا توجد دولة تهتم!
(*) إضافة إلى حالة السجناء التي تحتاج إلى اهتمام بوضعهم النفسي ومحكوميتهم “الحكم سنة ولحين الشفاء” ثم تمر 37 سنة، كما حدث مع “عيتاني”، من دون أن ينظر أحد في أمرهم، تتنقل الكاميرا أيضًا على أرضية السجون وجدرانها ورطوبة المكان وطريقة العيش البائسة جدًا، و”العسكري مش رح يطلع يحمّم السجين”، هل يمكن اعتبار أعمالك بمثابة نداء إلى جهات متعددة في الدولة، وليس فقط إلى الجهات القضائية، وهل ترين أن ثمة ردّة فعل إيجابية أو اهتمام لتحسين الأوضاع الحياتية داخل السجون الرطبة إلى بيئة أكثر إنسانية؟
تم إعادة تأهيل المبنى من قبل الوكالة الإيطالية للتعاون الإنمائي ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بين عامي 2016 و2017، بعد أن شاهدوا المسرحية وصرّحوا أنه من غير المقبول أن يكون الوضع بهذا القدر من السوء والإهمال. زرتُ المبنى بعد تأهيله بستة أشهر، لا يوجد صيانة دورية، وبالتالي فكل ذلك الترميم والتأهيل لن يدوم طويلًا. للأسف، لا توجد دولة تهتم. تم الاهتمام بالمبنى لكن على الدولة أن تكمل. بالتأكيد نحن نوجّه نداءً لكل أحد قادر على المساعدة. عندما دخلنا عام 2007 كنا ثلاث جمعيات، الآن هناك 50 جمعية تهتم بالسجون، منها من يعمل على مشروع “فك الحرف” للسجناء الأميين، ومنهم من دخل إلى السجون بمشروع تجهيز بأجهزة كومبيوتر..
(*) من الصعوبات التي تواجه المخرجين الدعم المالي لتنفيذ أفكارهم وأهدافهم، كيف تتجاوزين هذا الأمر؟
كوني رئيسة جمعية “كثارسيس” فإن جمعيتنا هي التي تقدّم مشاريع لنحصل على تمويلات، أطلب أني أريد أن أقوم بعلاج بالدراما وأحتاج لمحامين للسجناء، وأريد أن أعمل على تسهيل الحياة للسجناء داخل السجن، أو أريد أن أقدّم عملًا مسرحيًا للسجناء أو فيلم عنهم. يعني تمويلاتي تأتي من ضمن عملي في الجمعية. مسرحية “جوهر في مهب الريح” كانت مموّلة من الاتحاد الأوروبي وكذلك مشروع القانون المرتبط بالسجناء المرضى. فيلم “المبنى الأزرق” تم تمويله من “أغنس فاريس ترست” Agnis Varis Trust بالتعاون مع “آكت فور ليبانون” Act for Lebanon، وهي جمعية في أميركا أعجبهم عملنا، وآمنوا فينا، وأمّنوا الإنتاج للفيلم.
(*) منذ فيلمك الأول “12 لبناني غاضب” تحظى أعمالك بجوائز محلية وعالمية، ماذا تضيف هذه الجوائز من تشجيع لك على مواصلة الطريق ذاته، وهل هي نوع من تعبيد الطريق أمام الدعم المالي لأي عمل مستقبلي؟
عندما تحصل أعمالي على جوائز في الخارج، ما يحدث في لبنان أنه تتم الإضاءة عليه أكثر، إن كان من ناحية الدولة أو الإعلام، يصبح هناك احترام أكثر لهذا النوع من العمل. يقولون هذه المخرجة عملها مقدّر في الخارج، فلندعمها معنويًا. ولم يحدث أن حصلت على دعم مادي من الدولة اللبنانية أبدًا، لكن تشعرين أكثر بالاحترام، ويتم تسهيل عملنا، إن كان داخل السجون أو في أي مكان آخر. بالتأكيد كل جائزة حصلت عليها كانت تسهّل الثقة أكثر مع الدولة والقضاة كما أنك ستثقين بأن الإعلام سيكمل الطريق معك.
المسرح وُجد للشعب
(*) درستِ المسرح في لندن مع المخرج المسرحي الفرنسي فيليب غولييه، وعملتِ مساعدة للمخرج المسرحي الإيطالي أرماندو بونزو في عمله في سجن فولتيرا في إيطاليا، ثم سافرت إلى أميركا حيث أصبحتِ معالجة بالدراما معتمَدَة من مجلس الإدارة في “جمعية العلاج بالدراما بأميركا الشمالية”، حدّثينا عن هذه التجارب؟
درست مع فيليب غولييه في مدرسته عندما كان في لندن، وهو تلميذ جاك لوكوك، الرمز الكبير في المسرح عالميًا، درست معه مسرح pure وليس مسرحا علاجيا. ثم عملت مع بونزو وأتيت به إلى لبنان. اشتغل معي في حبس رومية، وفي أميركا عملت ماجستير بالعلاج بالدراما وصرت عضوًا في “جمعية أميركا الشمالية للعلاج بالدراما NADTA”. لم أكن أعرف أن هناك اختصاصًا اسمه العلاج بالدراما. درست مسرحًا وكنت أشعر بالملل وأقول، لماذا أدرس المسرح، لأجل دعوة عدد من الصحافيين والمثقفين، ثم هم بدورهم يدعوننا بالمقابل، ونصفق لبعضنا البعض. أين الشعب؟ أين المجتمع؟ المسرح عندما خُلق عند الإغريق باليونان، لم يُخلق للمثقفين، بل للشعب. وعندما وجدت أن المسرح ساعدني لأعبّر عن نفسي، فكرت لماذا لا يكون موجهًا لأي إنسان، ومن غير الضروري أن يكونوا فنانين، يمكن أن يعبروا عن أنفسهم، أن يكتشفوا أنفسهم من خلال ذلك، وهذا الأمر علاجي جدًا. وهنا درست ماجستير في علم النفس السريري، وبدأ بحثي عن اختصاص يدمج الاثنين، فوجدت أنه في أميركا هناك اختصاص اسمه العلاج بالدراما، ثم فكرت بالعمل مع السجناء وعملت مع بونزو داخل السجون. أرماندو بونزو يشتغل مسرحًا داخل السجون ولا يدّعي أنه علاجي، لكن عمله كان علاجيًا جدًا، وهو الذي أثرى تجربتي.
لماذا أدرس المسرح، لأجل دعوة عدد من الصحافيين والمثقفين، ثم هم بدورهم يدعوننا بالمقابل، ونصفق لبعضنا البعض. أين الشعب؟ أين المجتمع؟ المسرح عندما خُلق عند الإغريق باليونان، لم يُخلق للمثقفين، بل للشعب“
(*) في مقارنة بين لبنان وإيطاليا وأميركا، أين تكمن الفروق من حيث طرائق ومستويات العلاج والمضطربين نفسيًا ونتائج العلاج؟
في إيطاليا هناك قانون خاص للسجناء المرضى، يتابعونه في العلاج، ثم يُخرجونه ليقضي أسبوعًا مع عائلته وأهله، ويضعون إسوارة إلكترونية في يده كي لا يخرج من الحدود، وهكذا على فترة من الزمن حتى يتأكدوا أن وضعه أصبح جيدًا. انظري كم هم متطورون، كما أن هناك معالجين مساعدين يتابعونه في المنطقة التي سيخرج إليها، يخبرهم كل تفاصيل حياته. إضافة إلى أنه يوجد داخل السجون إنترنت ويمكن للسجناء مواصلة دراستهم وإجراء أبحاث. في أميركا اشتغلت على مسرح في بورتلاند مع المخرج جوني ستالينكس، يشتغل داخل السجون، لكن هناك يُمنع دخول أحد غير الأهل إلى السجن لحضور الأعمال المسرحية. في لبنان استطعنا أن نسمح لأي أحد يرغب بالدخول بأن يدخل. لكن إذا أردنا أن نحكي عن النظافة والاكتظاظ، لا يوجد مجال للمقارنة، وقد ذكرت هذه الأمور في مشروع القانون الذي تقدّمت به للدولة اللبنانية. هناك محاكم خاصة، وهناك معالج نفسي مختص بالجريمة، يدرس نفسية السجين ويتابع حالته قبل أن يُصدر القاضي قراره، وبالتأكيد لا يرسلون المرضى إلى السجن “لحين الشفاء”، يجب إرسالهم “لحين الاستقرار”، وهذا ما طالبنا به من خلال عملنا.
“في إيطاليا وأميركا هناك محاكم خاصة، وهناك معالج نفسي مختص بالجريمة، يدرس نفسية السجين ويتابع حالته قبل أن يُصدر القاضي قراره، وبالتأكيد لا يرسلون المرضى إلى السجن “لحين الشفاء”، يجب إرسالهم “لحين الاستقرار”، وهذا ما طالبنا به“
(*) إضافة إلى الأفلام الوثائقية، اشتغلت على مسرحيات ثيمتها معالجة حالات أخرى منهَكَة نفسيًا، منها “شبيك لبيك”، تسلطين الضوء فيها على العنصرية والفوقية والعبودية المقنّعة التي تعاني منها الخادمات الأجنبيات في لبنان، حدّثينا عن تجارب مسرحية أخرى كان لها أثر إيجابي في مكان؟
أرغب أن أتحدث عن مسرحية رائعة “من كل عقلي”. اشتغلت مع مرضى نفسيين في مستشفى “الفنار” بالجنوب لمدة ثلاث سنوات، ليسوا مجرمين، فقط يعيشون في المستشفى، أدّى المرضى عرضًا واحدًا على خشبة مسرح المدينة، لأننا نحكي هنا عن مرضى نفسيين لا يقدرون على التركيز وإعطاء مجهود. من أجمل العروض يا دارين، يحكون عن أمراضهم وماذا حدث معهم بعبارات مؤثرة جدًا.
(*) نعرف زينة دكاش في الكوميديا، شاركتِ في عدد من البرامج الانتقادية الساخرة، وكان لشخصيتك حضور قوي وأثر غير عابر فينا، هل الكوميديا الساخرة بنظرك هي وسيلة ضرورية وفعالة أخرى لكشف تشوّهات مجتمعنا، وأين أنتِ من الكوميديا الآن؟ وهل من عودة للتمثيل بشكل عام؟
اشتغلت لفترة طويلة بالكوميديا وتركت عام 2015، بالتأكيد الكوميديا الساخرة تضيء على جوانب يجب الإضاءة عليها ولكن لا أعرف إذا كانت قادرة على تعديل أشياء. أعتقد أنه لا يوجد أي نوع ممكن أن يعدّل شيئًا ما في لبنان بعد كل ما حدث منذ عام 2019، وبالتأكيد لن تكون البرامج التلفزيونية، لا ينبغي أن نضحك على أنفسنا. ونحن لم نعد قادرين على أن نضحك على أحوالنا ومعاناتنا. قبل الآن كان يمكن ذلك، لكن الآن لا يمكن ذلك. يمكن أن أشتغل تمثيلًا في مسرحية لكن ليس كوميديا. عندي عيادة نفسية ومرضى وأشتغل مع شركات تدريب على التواصل لحل النزاعات ويعود ريع ذلك للجمعية، من أجل أن نكمل، وأنا أعلّم في أربع جامعات، وهذا يأخذ الكثير من وقتي، وبالتأكيد متابعة أوضاع السجون، والفيلم بالفترة الأخيرة. أي إنني ابتعدت عن أكون زينة الممثلة. أشتاق للتمثيل لكني غارقة في الكثير من الأمور.
“أعتقد أنه لا يوجد أي نوع ممكن أن يعدّل شيئًا ما في لبنان بعد كل ما حدث منذ عام 2019، وبالتأكيد لن تكون البرامج التلفزيونية، لا ينبغي أن نضحك على أنفسنا، ونحن لم نعد قادرين على أن نضحك على أحوالنا ومعاناتنا“
(*) نود أن نعرف تقييمك للأعمال اللبنانية خلال الأعوام الأخيرة، ما هي انطباعاتك عن السينما اللبنانية، وما هي التحديات التي تقف أمام المخرج اللبناني لتصل أعماله إلى العالمية؟
التحديات لأي مخرج هي طبعًا الإنتاج وشبكة الاتصال الخاصة بالأفلام. بدأنا نحكي عن منصات رقمية للأفلام، يجب أن تُعرض أفلامك عبرها، لكن للأسف، لبنان لم يعد على الخريطة، لم يعد أحد قادرًا على الدفع بالكريديت كارد credit card بسبب أوضاع البنوك، إلا إذا كانت لدينا حسابات خارج لبنان. اليوم، يتم عرض أفلام على هذه المنصات من دول قادرة على أن تدفع وتشتري الفيلم أكثر من دول تود أن تشاهد لكنها ليست قادرة على الشراء. على صعيد آخر لا زلنا مثابرين؛ نادين لبكي لا تزال تثابر، وشاركت في مهرجان الجونة، وتم عرض عدد من الأفلام اللبنانية في هذا المهرجان، منها الفيلم الرائع “البحر أمامكم” لإلياس داغر، و”كوستا برافا” لمونيا عقل.. نحن نناضل والحمد لله أننا لا نزال موجودين في هذه المهرجانات. * “السجناء الزرق” The Blue Inmates: بدءًا من 5 تشرين الثاني/ نوفمبر ولغاية 4 كانون الأول/ ديسمبر على منصة “أراتوك” www.aratok.com (على الأراضي اللبنانية) وتباع البطاقات على موقع مكتبة “أنطوان”