الشعر السيادي
الشعر يأبى أن يكون إلا سياديا بإمتياز. يأبى أن يكون إلا مظلة العالم. الشعر بالمنطق الوجودي العميق. بالمنطق الفلسفي، حيث يفكر في اللا مفكر به بعد. وحيث يعيد التفكير يوميا في كل ما فكر فيه حتى اليوم.
الشعر كشف يومي في كل شيء. وهو بالتالي، كشف يومي عن أي شيء. الشعر يواقع الحجارة. يواقع الينابيع. يواقع الزمن والريح والشمس والأرض اليباب. الشعر يواقع البحر والأفق والغيوم.
الشعر يجري مثل السهام الخارقة، مثل الجياد الجامحة، من موقعة إلى موقعة. لا يؤجل سرج خيوله لليوم التالي، لأنه كلف نفسه بنفسه، بالمهام الشائقة. لأنه يحتسب لنفسه، كل هذا العالم. لأنه يحسب نفسه، سيد العالم.
لا أحد غير الشعر يرى العالم من فوق. لا أحد غير الشعر يرى العالم من تحت. لا أحد غير الشعر يكشف الزيف. يكشف زيف العالم.
شعر فتون. شعر فتون بنفسه حتى الغرور. يحسب أن الدنيا كلها قيد سوطه. قيد جواده. يخوض البحر بسرجه. ويبلغ السماء على جناح براقه. حتى لا حول ولا قوة إلا بالشعر.
الشاعر مجرة تضرب الأرض. يزلزلها. يفجر فيها البراكين. يجعل حممها تبلغ الأقاصي المعتمة. هكذا كان في البدايات. وهو كذلك على أية حال، حتى النهايات، بلا تعب و لا كلال. الشاعر تسيّد على الأرض، حين كان ضوء الشمس مفتاحه للمعلقات. حين كانت الريح أنفاسه في البراري. حين كان دمه ودمعه، مجرى الينابيع، مجرى يديه وقدميه، مجرى الماء. حين كان التراب يملأ صدره تفتح الورد، تفتح الزهر.
الشاعر لا يكون إلا سيدا. الشاعر لا يكون إلا سياديا. هو الذي لا يرضى بغير الشعر السيادي يغمر الأرض. ولا بغير السيادة، تنشر بيرقها، وتحل بركة على الأرض. الشاعر السيادي، بشعره السيادي، إنما هو ملح الأرض.