قصيدة الشاعر عبد الغني طليس التي نُشرَت في صحيفة “اللواء” :
” كأني سوف أَرثي بَعْلَبَكّ”
——————————
( للشاعر عبد الغني طليس )
————————
أَلصُّبْحُ في عرشِهِ الأنقى يؤاخيها
والليلُ مجنونُ موسيقى يُناجيها
تلك الجميلةُ تُدْعى بعلَبَكَّ ولِي
نبعٌ منَ الحبِّ قد أَجرَيتُهُ فيها .
يا بَعْلَبَكُّ هنا أهلي أُسلّمُهُمْ
روحي ،وأطلِقها والربُّ راعيها
وكلّما جئتُ رأسَ العين يخنِقُني
الحنينُ..يُبعَثُ حيّاً إذ أُحَيّيها
أنا تَنَشّقتُ عطراً منْ بنفسَجِها
أنا حفَظتُ صلاتي في فَيافِيها
وعندَ قلعتِها سَلّمْتُ أسلِحتي
لكي تُزوّدَني تيجانُها تِيها
أجِيئُها اليوم ..لا أدري لِمَ آنْفتَحَتْ
بيَ الجروحُ ..كأني سوف أرْثيها
مِنْ بَعْلَبَكّ..أنا الطيرُ آرتَفَعْتُ غِوىً
وما قَبلْتُ لصوتِ الريحِ تَنبيها
يا خُبزَ تَنُّورِ سِتّي ما أكلْتُ أنا
مِنْ بَعدِكَ الخبزَ إلّا كانَ تَمويها !
وما فَتَحْتُ شَبابيكي على أُفُقٍ
إلّا وقال لسانُ الشمسِ “آوِيْها”
وتلكَ حاراتُ أرْحامٍ قد آلْتَصَقَتْ
تحَسُّباً لغريبٍ قد يُعاديها
وتلكُ أرجُوحةٌ في الدارِ راقصةٌ
إذا رَنَتْ نحوها عَينِي ..تُناديها
يا بعْلَبَكُّ وقد كنا على طَرَبٍ
نُغوي حبيباتنا بالبدرِ تَشبيها
وما تذكّرتُ حبّاً فيكِ مَرْمَرَني
إلّا طلبْتُ لنفسي مَن يُداويها
و”خَولةٌ” في “مقامٍ” فَقْرُهُ مَلِكٌ
تُعطيكَ من قبلِ أن تَبْدَا تَرجّيها
وذاكَ خَطُّ قطارٍ ضاعَ سائقُهُ
في السهلِ بين حكايا ..ضاعَ حاكيها
أينَ البساتينُ ..هل ما زال يغمُرُها
ثلْجٌ يُسَطّرُ أشعاراً ويُلقيها
وليلةُ العِيدِ؟..لا نَومٌ..وأسألُكُمْ
هل كانَ أطولَ يومُ العيدِ تَرفيها ؟
وجَمْعةُ الأهلِ والوِلْدانِ أينَ خَبَتْ
والدارُ مِنْ حسَدٍ ضاقت نَواحيها
وكيفَ حالُ الرّفاقِ الحاملينَ معي
كأسَ الطفولةِ في أبهى معانيها
لِلسيفِ أنت ولِلضيفِ الكريمِ ولِلْ
..رِجالِ خاضوا من الدنيا دَواهيها
وعُمْلةُ الحقدِ لم تَعبُرْ إليكِ وقد
لَعَنْتِ بائعَها الخاوي وشَاريْها
إذا السياسةُ لا عَقلٌ يُحاسِبُها
إذن سيطلُبُ أهلُ الكهفِ تَنويها !
——————-
ما هكذا الأرضُ كانت ..بَعْلَبَكُّ أنا
عَرَفْتُها إذ تُنادي الحَقّ يأتيها
كانت بروعةِ ما كنّا نُدلِّلُها
بالشوقِ نُطعِمُها..بالصبرِ نَسقيها
لكنها الآنَ لا نَهرٌ يُسامِرُها
ولا رفيقٌ على البَلْوى يُواسيها
يا بَعْلَبَكُّ أعِيدينا إلى لُغةٍ
فيها نُعيدُ الأماني مِنْ مَنافيها
وعلّمينا بأنّ اللهَ ليس لنا
لِوَحدِنا..وبنا الأكوانَ يُنْهيها
كنتِ العروبةَ لمّا لمْ يكنْ عربٌ
وتلك راياتُ عِزٍّ ليس نُخفيها
وكنتِ أنشودةَ الإسلامِ ما رُفِعَتْ
فيكِ المصاحفُ تَدْلِيساً وتَسْفيها
وكنتِ صوتَ فلسطينٍ وفِتْيَتِها
وغيرُنا عاشَ حاميها حَراميها!
——————
ما للسّياسةِ قامتْ ثمّ ما قَعدَتْ
والناسُ تركبُ خَيلاً مِنْ أعاليها
إنْ لمْ تكُنْ بَعْلَبَكٌّ قِبْلَةً سكِرَتْ
بطيّبِ الدّينِ ما كنّا حَواريها
ولا نَصَبنا لها في الصدرِ مئذَنَةً
ولا وَزَنّا لها.. حُبّاً يُوازيها
يا بَعْلَبَكُّ آحْفظي سرّاً سأُعلِنُهُ
يكادُ يَسحبُ مِنْ عَينِي مآقيها
أجدادُنا السُّمْرُ صاغوا العَيشَ أغنيةً
أنا وأنتِ معاً..كنّا نُغنّيها
وبالسياسةِ أو مِنْ دونِها يَدُنا
على تُرابكِ تُعطي القوسَ بَارِيها
أحلى رجالِكِ مَن لانَتْ عَريكتُهُ
وقبلَ أنْ تُشعَلَ الأبواقُ يُطفِيها
أمّا المُدافعُ عن دِينٍ صَنيعتُهُ
ورحلةُ الخلقِ عَكْسَ الخلقِ يرويها :
أَللهُ ..ما هَمَّهُ منّا صباحَ مَسَاً
إذا نَكَرْناهُ .. أو زِدْناهُ تأْليها!