فوضى الشعر
الشعر مثله مثل أية مؤسسة عامة، أو مثل أي قطاع من القطاعات، أو مثل أية مدينة من المدن، تصيبه الفوضى. وسرعان ما يحصد نتائجها السيئة.
الشعر مثل دولة من الدول، مثل مملكة من الممالك، يتعرض للفوضى، فتضربه ضربا عنيفا، وتهد أركانه، وتهز نظامه، وتسحب السساجيد الحمراء من تحت أقدام أصحابه الشعراء، وتجعلهم بلحظة يتامى. فلا أهل له، ولا أبناء، ولا أسرة، ولا قبيلة، ولا عصابة.
الشعراء مثل السلاطين. مثل الملوك. مثل الأباطرة. مثل الحكام. مثل القضاة في العصور القديمة، تهزهم الفوضى، وتهزم عزائمهم، وتجعل عصا الملك بين أيديهم، مثل قضيب التوت بيد صبية الحي، يتقاذفونه من بعيد، يلوحون به للذئاب والثعالى والكلاب والقطط الشاردة. ويركبونه حصانا. يتشاجرون به، يلهون به، ثم يعودون في لحظة، إلى هوايتهم السابقة.
الشعر نظام وحياة ومدرسة وآباء مربون صارمون، لا يقبلون التهاون، ولا يقبلون الفوضى.
أهل الشعر، مثل أهل الصوفة، من لا يذق، لا ير. ولهذا يضطرب الناس، حين يذهبون لتعريفه. حين يذهبون لتقييمه. حين يذهبون لتقديمه، حين يذهون لصوغه، في سبائك من ذهب.
لا أريد أن أتحدث عن كل هذا. ما تقدم، مقدمة للتحذير من الفوضى في الشعر. من فوضى الشعر.
فوضى تصيب معشر الشعراء. تصيب ذاقة الشعر. تصيب أمته. وفوضى تصيب الشعر، تصيب بيته. تعصف به، فتجعله يتهاوى للرياح تضربه من جميع الجهات.
كيف نشرح فوضى الشعراء، كيف نفسر فوضى الشعراء، حين يتقاتلون على الشعر، حين يتصارعون عليه، بلا مقاييس. ينتصرون للذوقية وهي ليست من المقاييس الفنية، لأنها عرضة للفردية وللخصوصية والطابع الشخصي. عرضة للتهم الجاهزة والعفوية. عرضة للإنانيات. عرضة لقلق الكيل بمكيالين. عرضة للفتون، والأغراض والأحقاد. عرضة للإفتراء، لأنها من صنف التهم الجاهزة، بلا مقيس، ولا مقاس ولا مقياس.
ما قال علماء الشعر، ب”عمود الذوق”، ولا قبلوا به. لأنه عرضة للإختلال. قالوا بعمود الشعر، وجعلوا له صفات. قالوا إن الشعر لا يقبل لا فوضى الذوق ولا فوضى الحواس.
أما فوضى الشعر، فهي تقوض البيت. عاصفة من الركة تضرب البيت. ريح صرصر تهب عليه من جهة المعنى. قحط وجفاف وبأساء، تصيب الأبيات، وتجعلها تهتز مثل أوراق الشجر حين يساقط، لأول هبة من ريح. أو حين تعصف به أول هبة من زمهرير.
الشعر مساكب ورد، مساحات من جمال ينتشر بسعة الأرض. الشعر نقيض الفوضى. الشعر نظام عام. لا يعيش إلا في نظام. لا يتبع إلا النظام.
شعر من صنف الذهب. وشعراء من طبقة الصاغة، بلا أدنى شبهة من إحتمال التعايش مع الفوضى.
اصبت دكتور
عمود الشعر هو الاساس والمقياس اذا ما رغبنا في جمع المعنى الى ايقاع محدد…
الخداثة لها اجنختها تطير بها ولكن ليس على خساب العمود الشعري الاساسي…