تغير المناخ
موجة جديدة حفت بلبنان، جعلت مناخه يتغير بسرعة. وجعلت العواصف تتلبد في سمائه. تضرب غصون أرزه. وجعلت البروق والرعود تعصف. تشتد. تقوى في شوارعه في ساحاته. وبين طوائفه ومناطقه. تفتت في جدرانه كوى وطاقات، شقائق النعمان. صارت روائحها، بطعم النار والدم. صارت أرضه بطعم الحريق، بطعم الجثث المتفحمة. صارت بطعم الفحم.
(…………)
إقتربت العدالة من خطوط التماس، مع الحقيقة، فتجهمت السماء فجأة. تلبدت بالغيوم السوداء، صار المطر البركاني، يخرج من ثقوب خطوط التماس، ويعشوشب على الأسطح و الجدران، دموعا و رصاصا وأقداما ممزقة. تهرول إلى موت يفاجئها. يرميها. يرصف بها الطريق إلى العدالة..
على أبواب ثورة17 تشرين1، كانت الغيوم السوداء، تتجمع فوق سماء لبنان. شعر الناس فجأة بتغير المناخ. جاءت الريح هذة المرة، من جهة المرفأ تحمل الغيوم السلبية، على جناحين من عدالة وحقيقة. وإنفجار بركاني، إقليمي بطيء.
(……..)
“مطر الطيونة”، على باب العدالة، على باب قصر العدل، على بوابة دورا العدلية، هو مطر تشريني بإمتياز. تنتظره المواسم في لبنان كل العام.
لم يفاجأ اللبنانيون به. وهو لم يفاجئ اللبنانيين. جاء على طبيعته، بعد إحتكاك الغيوم ببعضها. “فسلم بالعواصف والصواعق. وصافح بالبروق والرعود.” وسالت الدماء. روت الأرض. روت صنوبر حرج بيروت. روت مدافن الشهداء، على جانبي “طريق الشام”.
تغير المناخ أتى مبكرا، أتى باكرا هذا العام. (…….) . لم يرتح الناس بعد طول فراغ. لم يرتح الوصوليون الجدد بعد، لم يترنحوا. لم يتخففوا من الأعباء. لم يباشروا أعمالهم. لم يتذوقوا بعد، حلوى التهاني ولا طعم المآدب، ولم يتعودوا بعد الجلوس على الكراسي، ولا الوقوف إلى المنابر، ولا مخاطبة الناس. ولا قيء المبادرات والوساطات. ولا قيء الرسائل. ما إعتادوا بعد، على دفتر التوقيعات.
تغير المناخ، فاجأ البلاد، ولم يفاجئ القيمين على البلاد. سماؤها ملبدة. وأرضها مليئة بالأشواك. والثعالى والكلاب، تنبح النجوم. تبح القمر. والسحب الداكنة تهب عليها من بعيد. تهب عليها من خلف الأحلاف. من خلف الاسلاك من خلف الدشم. من خلف المعسكرات.
خريف لبنان صعب هذا العام. فلا عدالة في الأفق، إلا دخانها. ولا حقيقة ولا ثورة ولا إستقلال. دوار يصطاد دوار . وتيار يصطدم بتيار. وقناص يقنص القاضي والضحية. قناص ماهر يقنص القضية عن بعد. وأرض غشوم، تتنازعها الخيول، فتقدح تحت حدواتها الحصى بالنار.
لبنان ساحة حرب، يستضيف جميع اللاعبين هذا العام.
(…. .)
وطن تزحمه سنابك الخيل، مثلما تتلبد سماؤه بالغيوم.
تغير المناخ في لبنان، ما فاجأ أحدا من الناس. إلا من كان أحمق من البقل. ينبت على حوافي الطريق، ويخشى على نفسه من حوافر الخيل. ومن أقدام العابرين والسالكين. ومن السعاة المتربصين.
تغير المناخ في لبنان، ما فاجأ العقلاء. فاجأ حقا، عقلاء المجانين. فاجأ فقط، مجانين العقلاء.