كتبت أغنار عواضة :
لون في الظلام
-×-×-×-×
ما إن تطأ بقدميك عتبة تلك الدار البيضاء العتيقة من دور الجميزة التاريخية حتى تقول : ” ألله ما أجمل هذا المكان!”
المكان :غاليري Art on 56th.
( معرض الفنان التشكيلي السوري غيلان الصفدي )
ثمة سحر طاغ للأمكنة القديمة في هذه الناحية من بيروت.
الضوء المنبعث من الوجوه العديدة الساكنة في لوحات الفنان السوري الشاب غيلان الصفدي سرعان ما يتسلل إلى دواخلنا،
في حين لا تزال الوجوه موضوع الفنان المفضل.
قسمات الوجوه بمختلف تجلياتها :الضاحكة والمتجهمة،الكئيبة والفرحة، الصامتة والمتكلمة،الطيبة والشريرة.
في كل لوحة عرض مسرحي، اللوحة هي الحلبة وأبطالها من صنوف كثيرة.
اللوحة سوق كبيرة فيها يعرض الناس أنفسهم طائعين ليونة وخفة الريشة بيد تجيد استنطاق القماش فيلتمع بطزاجة مدهشة.
دونكيشوت عصري،ولاجوكوندا بصيغة المذكر،إمرأة تطير كأنها تسبح في أكريليك اللوحة ، نافخ الزجاج، عازف الغيتار، المهرج ،العروس والعريس، آلات موسيقية ملونة،ثمة موسيقى تنبعث من الجدار تسمعها حين تطيل التحديق.
وجوه بالجملة ولكن لا عيون تنظر إليك،وإذا تحقق وجودها بعد تأمل عميق فهي مغمضة على الدوام.
اللوحة كرنفال كبير،والكرنفال هو اللوحة.
سألناه عما إذا كان يشعر بالوحشة ليحشد كل هذه الوجوه في لوحته فتؤنسه ؟
يجيبنا بل على العكس من ذلك أنا كائن إجتماعي ،تجذبني الشخوص لأنها عنصر فني غني، وما كثرتها إلا لكي أحيك النسيج الفني اللوني. وما كثرتها إلا لحشد تأثير فني معاكس على المتلقي لتعطي مجال لباليت فني وألوان متجاورة،وتشكيل وفراغ لوني مميز.
عن الزمان في اللوحة وهل تهرم الوجوه على الجدران أجاب الفنان التشكيلي بأن اللوحة بالنسبة إليه هي تكثيف للحظة خارج الزمان والمكان كالموسيقى والشعر.إذن هي خارج الزمان والمكان وهذه جمالياتها إلا من الناحية التاريخية وزمان صنعها. قد يكون المكان بالنسبة لي بيتا أو مسرحا أو ردهة خارجية.
في رده عل سؤالنا حول الخشية من الوقوع في هوية فنية خاصة خلقها حول الشخوص واذا ما آن أوان التغيير قال الصفدي: هذا المعرض هو بمثابة الوداع لهذه التيمة وهي فخ جميل أنوي مغادرته بعدما عالجتها بالأبيض والأسود وبمفاهيم مختلفة، فلو بقيت في مرسمي لما غادرتها،اعمل على خلق موضوع بحثي جديد مختلف فيه لون وعمق وتجريد وصوفية أكثر.
معرض غيلان الصفدي الجديد بعنوان” حياة الآخرين “جدير بالمشاهدة ،أضاف لونا إلى عتمة المدينة.