رئيس دائرة الانتاج الفكري والأدبي في وزارة الثقافة اللبنانية
الشاعر نعيم تلحوق ضيف مجلة ” العالـميّة”
يُحاوره سكرتير التحرير سليمان إبراهيم
(الـمقابلة نُشِرَت في مَجلة العالـمية، العدد 162 تشرين الأول 2021)
-×-×-×-×-
عندما يقصد مثقفٌ وزارة الثّقافة في لبنان، أول مَن يطالعك هذا الرّجل: كالطّل على وجوه الزَّهَر وكالعطر في أكمامه، مُصافحًا إيّاك ببشاشةٍ مُرحّبًا سائلًا عن جديدك كما يهشّ ويبشُ الزّهر في وجه شهر الشّهور ترحيبًا بالرّبيع المُنتظر. فهو حارسُ الكلمة، والسّاهر على نُضرتها ونضرة حضور أهلها على مِساحة الوطن ورحاب الدّول العربيّة حتّى البعض من الأوروبّية وما ينضحُ من إبداع سادة الأقلام فيها.
رئيسٌ لدائرة الإنتاج الفكري والأدبي في وزارة الثّقافة اللُّبنانيّة، رئيس تحريرٍ مسؤولٍ لمجلة «شؤون ثقافيّة» التي تُعنى الوزارة بإصدارها، رئيس تحريرٍ على مدى سنواتٍ عشر لـ «مجلّة فكر» الفصليّة، صاحب ومؤسِّس «دار فواصل للنّشر» منذ٢٠١٦. كاتبٌ صِحافيٌّ، في العديد من الصُّحف والمجلَّات اللبنانيّة والصّادرة خارجه، مدير مكتب «بترا للثّقافة والفنون بيروت». الأب الرُّوحي لِمنتدى «شهرياد» الذي يضمّ مجموعة من الشعراء الشّباب، وله نشاطات ثقافيّة واسعة على مِساحة الوطن. له مجموعة من المؤلفات التي وضعها وأُخرى دراساتٌ وضعَت في أدبه وشعره، كما ودخل أٌنكوبولوجيا الشِّعر العربي- الألماني؛ إضافةً إلى ترجمة مجموعته السّابعة «يُغنّي بوحًا» و «شهوة القيامة» إلى الألمانيّة؛ و «وطن الرَّماد» إلى الفرنسيّة، «لأنَّ جسدها…» إلى الإِنكليزيّة. غدت كتاباته الأدبيّة بنثرٍ وشعرٍ، محور أبحاثٍ ودراساتٍ نقديّةٍ لأُطروحاتٍ الماجيستير والدكتوراه في الجامعة اللبنانيّة. له مشاركاتٌ متنوّعة في برامجَ وندواتٍ في لبنان وخارجه، مُمثّلًا لوزارة الثّقافة، أَم مُحاضرًا أو شاعرًا في لقاءاتٍ خاصّةٍ.
كرّمته وزارة الثقافة اللبنانيّة، كما و «معهد غوتِه» في بيروت، بعد عودته من ألمانيا؛ وحاز درع الإبداع في كانون الأوّل من العام٢٠١١، في معرِض الكتاب في البيال.
هذه القامة الفكريّة من وطننا، خصّ مجلّة «العالـميّة» بهذه المقابلة التي أعدّها وأجراها سكرتير التّحرير سليمان يوسف إبراهيم، وهذا ما جاء فيها:
تلحوق: أنظرُ إلى القصيدة بِمختلف صنوفها على أنّها امرأة، ملكة جَمال هي…
الشَّاعر نعيم تلحوق، رجلٌ من رجالات الثّقافة ووزارتها الوطنيّة. هل لكم أن تعرّفوا قرّاء «العالـميّة» بشخصكم الكريم؟
باقتضابٍ شديدٍ، أحيا عُمري باحثًا في داخلي عن إثنين: الإنسان بالمطلق، والشّاعر الذي يسكنني. نعيم تلحوق يحيا العُمر رحلةَ استكشافٍ لِما كَمُنَ من سماتهما في شخصه. لا أرغب التّخفي، ولا أبغي السّير إلاّ كطائرٍ في العراء: أغتذي من خُضرة الأرض وأرتوي من ندى الفضاء… عندما يُعييني اللحاق بشؤون الأرض وشجون أهلها، أَتقمّص طلّي خلف جدار التّهيب، متابعًا مساراتهم علّني أتكسّب ما عنه غفلتُ.عشتُ عمري بين دفّتي المعرفة من ورقٍ وحبرٍ. أريد من أدبي ان يكون صورةً صادقةً عن أناي الدّفينة. كم وكم لاحقتُ المعاني والمقاصد، ولا زلت بالرّغم من طويي المسافات، أجد نفسي تائقةً إلى اكتشاف المزيد.
إن حاولنا إجراء مُقارنةٍ بين ثقافة الأَمس وثقافة اليوم: ما الصّورة التي ترسمها لنا عنهما، وأنت ربيب الثقافتين وعشير أهلهما؟
شتّان ما بينهما: لكن، فكما أنّ لكلّ عصرٍ رجاله، فلكلّ زمنٍ زيّه وسُبل مناهله. مسيرة التطوّر المعرفي لا تقف عند حدٍّ: فإلى الأمام ترنو أبدًا. تطوّر الإنسان مطلبٌ ورجاءٌ، وطرائق الثّقافة تشعّبت وطرقها تنوّعت؛ يبقى لنا ان نستنبط طُرق الإفادة، دون أن نُضلّ أصول اكتساب المعارف. فالفكر النّير يتخيّر ما هو لصالح الإنسان إضطراد نموٍّ واستمرار تطوّر… فالمرجو من الثقافة، يبقى أوّلًا وآخرًا: إنتاج إنسانٍ قادرٍ على مواجهة الحياة بتشعّب متطلّباتها وسُبل عيشها، مكتسبًا معارفَ تسمح له بمواكبة عصره وتَحقيق مرامه من عمرٍ يكافح ليحياه كريمًا عزيز النّفس، بارتقاءٍ مُستدامٍ لشخصيته والغاية التي من اجلها أوجده خالقه.
في زماننا، نلحظ جميعنا إقبالًا على القصيدة النّثريّة بأنواعها.فما رأيكم بها وبالمنكبّين عليها ؟ وهل تحبّذون السّطر الشّعري على الشّطر الشّعري؟ ولماذا؟
بعد طول عشرةٍ ومراسٍ معها، أنظر إلى القصيدة بمختلف صنوفها على أنها امرأةٌ، ملكة الجمال هي؛ بكلّ إطلالاتها، شرط أن تلقى الرّعاية والصّون من الشّاعر سيّدها، لتبدو في مجتمع الثقافة سيّدةً تُكتبُ لها الحياة، وتستحقّ التألق هي ومبدعها. وكمثل كلّ ما يُصادفنا على مرسح الحياة، ما يكتب ديمومة العيش للقصيدة بشكلها الحرّ أم بالمعتمدة الأوزان الخليليّة هما المضمون وتداول الأجيال لها. أكانت سطرًا شعريّا، أَم شطرًا شعريّاً: الذي يكتب الحياة للإثنتين برأيي، مدى ارتفاع منسوب شِعريتهما، على ما صرّّح به منذ زمن شيخ نقّاد العرب، حينما سُئل عن الأمر بالقول: «إنّما الشعرُ شعورٌ».
من موقعكم كرئيسٍ لدائرة الإِنتاج الفكري والأدبي في وزارة الثَّقافة اللبنانيّة؛ ما الذي قدّمتموه للمثقّفين كوزارة، وما الأمور التي سهرتم على تطويرها وتَحسينها بالنّسبة للإضافات التي حقّقتم خلال أدائكم الوظيفي من خلال إِشغالكم لمنصبكم؟
دورنا إزاء المثقّفين الذين يملكون نتاجاتٍ ويمتلكون ملَكة الإبداع، يتشعّب ويتنوّع. فوزارة الثّقافة، مُذ نشأتها، أوجدت لتكون دارًا للمُثقّفين بشتّى إبداعاتهم ومُختلف نتاجاتهم بكتابةٍ ورسمٍ ونحتٍ وموسيقى، فهي تحيا وتستمرّ كما دورنا، بتولد عطاءاتهم المُستمرّة. فنخن نواكب العطاءات بالإرشاد إلى الأفضل إن طلب صاحب النتاج توضيحًا، كما تحضر الوزارة متمثّلةً بمَن يكلّفه الوزير مواكبةً لإطلاق الأثر بحضورٍ معنويّ إلى جانبه. كما وأن الوزارة تحاول دائمًا أن تُغني مكتبتها بنُسخٍ من الكتب التي تُطبع، او الرّسوم التي تُنشر بمساهمات ماديّة بالقدر الذي تسمح له موازنتها، كما وتكرّم أصحاب الإبداعات بدرعها التًكريميّة في مُعظم حفلات التواقيع ومهرجانات الكلمة التي تُقدِّم الرعاية لها أو تُشارك في تكريم أهلها. ويبقى أنّني أشدُّ على يد كلّ صاحب إبداعٍ يقصدني شخصيّاً، مُسديًا ما أغنتني به تجربتي في دنيا الكلمة من موقعي، بما يخدم ويفيد المثقّف وأثره الإبداعي لينطلقَ على دروب الجماليات بأحسن طلّة وأخلص توجيه.
تلحوق: يبقى نتاج الفكر الإنساني، هو الذي يحفظ بأحرفٍ من ذهَب حضارات الشّعوب في دفاتر الأُمم
في العام ٢٠١٦؛ أسستم «فواصل للنشر» دارًا خاصّةً، تُعنى بنشر الكتاب تعميمًا للثَّقافة، تماشيًا مع صرفكم لعُمرٍ أودعتموه مصرف الثَّقافة في وطنكم والخارج. ما هي نظرتكم إلى رواج الكتاب الورقي؟ وهل تجدون أنّه سيُحافظ على مكانته إِزاء مواجهته لهجمة الكتاب الإلكتروني؟ وأيهما برأيكم أوسع انتشارًا وأشدُّ إقبالًا عليه في عصرنا؟
كما تفضّلتم أستاذ سليمان، كان من الطبيعي بالنسبة لإنسانٍ بموقعي ككاتبٍ وناشرٍ ومتعاطٍ للثقافة؛ أن أُفكر بإنشاء دار نشرٍ بعد ان أمضيت عمري وأفنيته سهرًا على الكلمة والكتاب وبيت الكُتّاب. أما عن الكتاب، فهو يبقى مخزِنَ الألباب على العصور، أكانَ ورقيّاً أم إلكترونيّاً؛ والأمر يبقى نزولًا عند رغبة القارئ، نظرًا لتطوّر أساليب الطباعة والنشر. وما يهمّني أولًا وأخيرًا المحافظة على القارئ الجيد للأثر الجيّد الذي يقدّم لقارئ العصر مضمونًا يُغني ثقافته ويزيد مستوى معارفه. مع أنّني شخصيّاً، أحبّذ الكتاب الورقي لأسباب عديدةٍ، أولها أن الإنسان يبقى قلبه في البيت الذي ألِفه. لكلّ هذا كانت «دار فواصل للنّشر» منذ ٢٠١٦ في خدمة كلّ قاصدٍ لها.
مُمثِّلُ لوزارة الثّقافة في مُعظم النّدوات واللقاءات الفكريّة في الوطن والخارج. فما رأيكم بأنشطة المنتديات والبيوتات الثّفافيّة في زماننا الحاضر؟ وكيف تنظرون إلى الأمسيات واللقاءات التي تُعقد افتراضيّاً من بُعد، تلافيًا للإنقطاع عنها، منذ حلول جائحة كورونا علينا ضيفًا ثقيلاً؟
بالطّبع، لانها دليل حياةٍ فكريّةٍ ناشطةٍ، نتوق إلى استمرارها نحن المُثقَّفين. إنّني أفرح وأُهلل عند بزوغ نجم أيّ بيتٍ ثقافيّ أو منتدىً أدبيٍّ. ويهمّني ان تكون جميعها في خدمة الثقافة والـمثقّفين. وأمنيتي، ان تُوضَع لها جميعها أَنظمةٌ تحدّد تخصّصية انشطتها وتنظّم روزنامات لقاءاتها وندواتها ومهرجاناتها، ليتسنى لكلّ مَن يرغب بالنشاركة والحضور ذلك، دون الوقوع في تضارب المواعيد. بارك الله بكلّ عملٍ ثقافيّ حقّ، تقف وراءه عقولٌ وأفئدةٌ ومريدون، وهبوا أعمارَهم لتعميم الحُبّ والخير والجمال ثالوث كلّ إبداعٍ بين النّاس.، لأنّه بنظري، يبقى نتاج الفكر الإنساني، هو الذي يحفظ بأحرفٍ من ذهَب حضارات الشّعوب في دفاتر الأُمم.
تنوّعت الإصدارات عندكم؛ بين ما كتبتم وما كُتِبَ فيكم من دراسات وعن فكركم من أطاريح جامعيّة، وما تُرجِمَ من آثاركم إلى لغاتٍ عالميّة. ما قيمة الإرث الأدبي الذي يخلّفه المًثقف من بعده، على الصّعيدَين الشّخصي والوطني؟ وما أهميّة أن يُترجَم أو يُنقَل نتاجه إلى لُغاتٍ عالـميّة؟
الإرث الأدبيّ للمثقّف، يغدو هويّته بين النّاس وجواز سفره إلى عقولهم والقلوب، فيتلقفه اهل الثقافة حيّاً ويُحيون ذكراه ما دام الزّمان. مهمٌ أن يُعرف المُفكر في وطنه، لكنّ النقل والترجمة هما سفينة فكره إلى العالم، فيتداول أهله كلمته؛ فيغدو عَلَمًا معروفًا منهم، يتداولون افكاره ومبادئه ونُظُمه الفكريّة بأقرب السُّبل إلى عقولهم ومداركهم: لغتهم. فيكوّنون بذلك، رأيًا عالميّاً بأدبه، الذي يغدو كحجرٍ رُمي به في محيطٍ كونيٍّ، وراحت عنه تنداح الأفكار دوائرَ تحوط بالكرة الأرضية بأسرها.
إنّكم الاب الرُّوحي والمؤسّس لِمنتدى «شهرياد» على مِساحة الوطن. فهل لكم، أن تبرزوا لنا هوِّية المنتدى، مُسلِّطًا الضّوء على دوره الثقافيّ وأنواع أنشطته بين إخوته المنتديات منذ التّأسيس حتى يومنا هذا؟
لأنّني أردتُ لمنتدى أنا أبوه الرّوحي ومؤسّسه، أن يحيا مديدًا بفضل المنتسبين إليه والمشاركين فيه والمديرين لنشاطاته في مناطق وجوده كافّةً: فأدغمتُ اسم شهريار باسم شهرزاد، فغدا «شهرياد». ذلك لِما للألف ليلة وليلة من دلالةٍ في طول المكوث زمانيّاً؛ وليضمّ أهلَ الإبداع والجمال من مختلف الأطياف ذكورًا وإناتًًا، لآلآف عديدةٍ مديدةٍ من اللقاءات وليس فقط لألف أُمسيةٍ وأمسية. كما وشئت له ان يكون منتدىً يعمّ حضوره الوطن بأسره، فأسّست له فروعًا، حيث مكّنتني الظروف اللوجستيّة من ذلك وقد أقيمت أُمسيات ولقاءات لشعراء وشاعرات ومبدعين ومبدعات، من مُتشعب ميادين وصنوف الإبداع، وكُرِّموا بدروع وأوسمة وتقديرات باسم وزارة الثقافة اللبنانيّة ومنتدى «شهرياد». أما الآن؛ وبسبب جائحة كورنا وما توالى على الوطن من ظروفٍ ضاغطة ضمّرت الأنشطة حتّى التوقّف، بانتظار استعادة النّشاط بزخمه المرجو مع جلاء ظروف البلد على صُعُد مُختلفةٍ.
هل لديكم من كلمة أخيرة، تودّون التّوجه بِها عبر صفحات مجلة «العالـمية» أستاذ نعيم تلحوق؛ وفاتني الحديث عليها؟ يبقى لي القول انّني على أهبة الإستعداد، كما أنا من موقعي دائمًا في وزارة الثّقافة؛ ومن «دار فواصل للنّشر» للأخذ بيد كلّ قاصدٍ لمكتبي ومُريد لنُصحي، لنسير بالثّقافة معًا على دروب ألقٍ مُستمرّ بفضل تعاوننا. كما وأنّني أشكر مجلّة العالميّة ورئيس تَحريرها الأستاذ فوزي عساكر، لإفساحها صدرها لحديثي عبرها والذي شاقني انّ الأُستاذ سليمان يوسف إبراهيم، هو مَن نقل تفاصيله معي