“بوابة الأردن”
دعيت من قبل إتحاد الكتاب اللبنانيين، للمشاركة بمداخلة، في المؤتمر التكريمي لنجيب محفوظ، في القاهرة، أواخر شهر نوفمبر الواقع فيه العام2006.
لحسن حظي، ولحسن سعادتي، كنت إلى جانب الشاعر الفلسطيني الراحل، سميح القاسم. عرفته بنفسي، وتعرفت إليه عن قرب. وبعد خروجنا من جلسة الإفتتاح، إنتحينا لتناول القهوة، في إحدى ردهات صالة المؤتمر.
فاجأني الشاعر سميح القاسم، بشدة قربه وشدة حبه للأردن، ولملكه أيضا، جلالة الملك عبدالله.
طلب مني الشاعر سميح القاسم، أن أدعو لتجمع عريض من الأدباء والشعراء اللبنانيين. وأن أنسق معه، لزيارة الأردن. ومقابلة جلالة الملك عبدالله. والتعرف إليه عن قرب. ولألمس بنفسي، شدة حبه وإعجابه بلبنان وبالشعب اللبناني، وبأدباء وشعراء لبنان على وجه الخصوص.
أسر لي الشاعر سميح القاسم إذا، أن جلالاته يضمر حبا عظيما للبنان. وأنه سيكون بمنتهى السعادة، حين يلتقي بوفد لبناني، خصوصا إذا ما كان يمثل ثلة من الأدباء والشعراء فيه.
في اليوم التالي، تفجر الوضع في لبنان، بعد إغتيال وزير الصناعة اللبناني بيار أمين الجميل ( 21/11/2006).
طارت الفكرة من أساسها من رأسي، ولم أعد للتفكير بها، بعدما لاقينا في لبنان، من هول مجريات الأحداث اللبنانية المأساوية ، التي تفجرت دفعة واحدة، على رأس لبنان واللبنانيين، في ذلك العام.
شيء ما علق بذهني، بعد حديث سميح القاسم معي: إن جلالة ملك الأردن عبدالله بن الحسين، يحب لبنان واللبنانيين. ويقدر التضحيات العظام التي قدمها لبنان وشعبه، دون أن تنال من صبره وعزيمته وبأسائه. ودون أن يفت ذلك من عضده.
البارحة، كنت أصغي بإهتمام عظيم، لكل كلمة، نطق بها دولة رئيس الوزراء الأردني “بشر الخصاونة” على الشاشة في بيروت.
إنتبهت إليه، “يؤكد المؤكد”: عمق محبة جلالة الملك عبدالله للبنان. وأنه أوعز لكل الجهات، أن تبادر لتلبية حاجة لبنان من الكهرباء. ولتلبيته، من كل ما من شانه، أن يرفع الضائقة عنه، ويسهل لشعبه سبل الحياة والعيش الكريم. تماما، مثلما يفعل لشعبه. بالنية نفسها، وبالكرم نفسه.
لامس ذلك مني إذا، سرا دفينا أسره لي الصديق الراحل الشاعر سميح القاسم: أن جلالاته، يحتفظ بين ضلوعه، بحب عظيم للبنان.
أهم ما في الأمر بالنسبة لي: أنني أدفع راتبي كاملا، “ثمن مازوت”، لكهرباء بديلة عن كهرباء الدولة. قلت في نفسي: “رب ماذا ؟ هل تعود المعجزات؟”.
يقدم جلالته خلال ثلاثة أشهر، الكهرباء للبنان، ويفقأ عين لصوص الكهرباء عندنا في هذا البلد الصغير، اليتيم، المتروك لقدره، لبنان، منذ أكثر من خمسة عشر عاما.
لعل ما يبشر بالخير، هو أن الخطة التي وضعت لذلك: تلحظ تعاون الأردن مع مصر وسوريا، للربط الكهربائي. وذلك برأيي مقدمة للربط بين مصالح هذة الدول الشقيقة الثلاث، والتنسيق بينها لدعم لبنان.
أهمية هذة الخطة، هي أنها تقوم أولا بأول على تهدئة الجبهة السورية مع الأردن، بحيث تمتد التهدئة لتشمل لبنان. وتكون الشقيقة مصر شريكا قويا وفاعلا، في هذة التهدئة. خصوصا أن الشراكة مع مصر، أمنية في الأساس، قبل أن تكون كهربائية: أساسها الغاز لتوليد الكهرباء.
لبنان، يحتاج في المقام الأول إلى الهدوء، قبل أن يبنى على الشيء مقتضاه: طاقة وإقتصاد. و تسيير قوافل الشاحنات إلى الداخل العربي.
بإستطاعة جلالة الملك عبدالله، أن يسهم إسهاما عظيما في ذلك. بعد التفاهم على أمن الحدود مع سوريا، والذي يستتبع حكما، فتح المعابر البرية مع هذة الدولة الشقيقة. فتصير الطريق سالكة أمام لبنان للإنقاذ.
تخيلت لوهلة، أن الشاعر الفلسطيني الراحل سميح القاسم، بجانبي، يصغي بإهتمام شديد لدولة رئيس الوزراء الأردني، وهو يبشر لبنان واللبنانيين، وخصوصا منهم الشعراء والكتاب: أنهم سوف لن يمضوا عمرهم، أو أقله، البقية الباقية من عمرهم، في ظل الظلمة التاريخية التي وقعت عليهم، بسبب فقدان الأمن. وأنهم لن يظلوا أيضا، و إلى الأبد يعيشون في أعماق الظلام، الذي يخيم عليهم، بسبب إنقطاع الكهرباء منذ ثلاثين عاما.
جلالة الملك عبدالله، يقطع وقته اليوم، للتفكير بتجديد أمل اللبنانيين بالحياة الحرة الكريمة. وأن “بوابة الأردن”، باب مشرع ومفتوح لهم. يرحب بهم أعظم ترحيب.
بوابة الأردن، مفتوحة للغاز المصري وللربط الكهربائي وللشاحنات لنقل الفواكه والخضار إلى الأسواق العربية، وتعمل على تهدئة الخواطر، ونشر الأمل والأمن في الجوار الإقليمي. وهذا لعمري، حاجة ملحة اليوم للبنان ولسوريا كذلك.
ذكرتنيهم هذا كله معا، البارحة، أيها الشاعر الصديق الراحل سميح القاسم.
شكرا إذا، جلالة الملك عبدالله على حبكم العظيم للبنان، الذي ما زلتم تحتفظون له به، منذ قديم الزمان.