الذهب الأبيض
ثروة لبنان المنهوبة
تميزا عن الذهب الأسود الذي هو النفط، ومقارنة به، أطلق المهندسون المائيون، والباحثون والعلماء في لبنان، على خزانات المياه الجوفية، في الأعماق، إسم الذهب الأبيض.
لا بأس بالتذكير، أنه بعيد إستقلال لبنان بقليل، أخذ المهندسون المائيون اللبنانيون، يتحدثون عن الثروة المائية التي يختزنها لبنان داخل جوفه، بسبب ثروته السنوية من الثلج المستدام، و التي لا تعادلها أية ثروة طبيعية فيه.
كان الشيخ موريس الجميل، النائب في البرلمان اللبناني، سباقا إلى طرح “المبادلة” بين الذهب الأسود والذهب الأبيض، مع الكويت ودول الخليج العربي.
كانت شركات النفط في ذلك الوقت تباشر مد الأنابيب لحساب”شركة التابلين للنفط” إلى سوريا ولبنان، لنقل النفط إليه من العراق.
قال الشيخ موريس الجميل، بمد القساطل معها، لجر الماء من لبنان إلى تلك الدول الخليجية، التي كانت مضطرة لتحلية مياه البحر للشرب.
كان مشروع الشيخ موريس الجميل قائما على أساس “مبادلة” النفط الذي يحتاجه لبنان، بالماء الذي تحتاجه الدول التي تصدر النفط إليه.
غير أن هذا المشروع السيادي، وقف في وجهه الغلاة والتجار والسماسرة، فسقط من التداول. و”طلعت حساباتك فانصو يا طانسي”. فمات المشروع في المهد. ومات بعده الشيخ موريس الجميل.
ذكرت ذلك، وأنا اليوم في معرض الحديث عن سرقة الثروة
الطبيعية من مخزون لبنان من الذهب الأبيض.
فالخزانات المائية تحت أقدام جبال لبنان، والتي تمثل ثروة له لا تقدر بثمن، تتعرض اليوم للنهب.
الثروة المائية المخزونة في باطن الأرض، تحت أقدام جبل الشيخ وتلال كفرشوبا، والممتدة إلى مزارع شبعا والجوار، هي عرضة للنهب بواسطة الآبار الإرتوازية، التي تثقب خزانات المياه وتسحبها من الأعماق، لتجعلها لمصلحة الشركات، التي تعبئها وتبيعها في الأسواق.
كذلك يمكن الحديث عن الشركات التي تعبئ الماء، في إقليم التفاح، وفي جزين وبكاسين وروم. وكذلك في منطقة الشوفين: الأعلى والأوسط. ناهيك عن شركات المياه، التي تسحب خزانات ضهر البيدر وخزانات صوفر وخزانات فالوغا، وصولا إلى خزانات صنين.
وإذا ما تابعنا رحلتنا في القمم، فإن أعظم الخزانات المائية، في المروج وعين طورا وفاريا وقناة باكيش وعيون السيمان، وصولا إلى المتن الأعلى، هي أيضا عرضة لنهب الثروة المائية فيها.
إن أعالي كسروان وجعيتا وكفر ذبيان وكفرحباب، تقوم عليها مشاريع حديثة لسحب الماء منها.
وأما في أعالي منطقة جبيل والبترون، من قرطبا حتى اللقلوق وتنورين والحدث، وصولا إلى وادي قاديشا وبشري وإهدن في الشمال، فهي تشهد اليوم أخطر عملية نهب للمياه الجوفية.
كذلك الأمر في أعالي القرنة السوداء و الضنية وجبل المكمل، فإن المشاريع المائية، تقام هناك بلا حسيب ولا رقيب. وقد أدى ذلك إلى نهب مياه وادي هاب، وإلى سحب مياه رشعين.
ونحن نجد أيضا، الآبار الإرتوازية المرخصة من وزارة الطاقة والمياه التي ، تسبر جوف منطقة الكورة، لنشل الماء من خزاناتها الطبيعية الجوفية، وبيعها في الأسواق.
وبالإنتقال إلى قضاء المنية، حيث يفصل نهر البارد بين القيطع والمنية، نجد أيضا إنتشار ظاهرة الإعتداء على المياه الجوفية لسرقتها. حتى ليكاد نهر البارد أن تنضب مساقطه في الصيف، وهو الذي كان يشغل في الستينيات، شركة كهرباء نهر البارد. وفي أعالي فنيدق ومشمش والقموعة والجومة، ورحبة وصولا إلى عكار العتيقة والجرد وبيت جعفر والقبيات وعندقت وكرم شباط وعودين وأكروم، فإن لصوص الماء يبحثون هناك عن الذهب الأبيض، للإتجار به، على عيون الدولة والناس.
إن غور نبع الصفا في وادي خالد، القادم من وادي السباع، على الحدود اللبنانية السورية، بين بلدتي: المقيبلة اللبنانية والمشيرفة السورية، هو بداية سرقة خزانات المياه في الأعالي، فتنضب آنئذ في الينابيع.
هل أحدثكم عن نضوب مياه نهر شدرا، الذي كان يروي أراضي البقيعة الغربية، ويصب في النهر الكبير الجنوبي. أم أحدثكم عن نضوب نهر عرقا. أم أحدثكم عن نضوب نهر أسطوان ونهر الجوز، وسائر أنهار لبنان على شاطئ المتوسط.
إن لصوص الماء، هم حقا شركاء لصوص الهيكل. ولهذا ربما (… ) .
سوف نجد أيضا، سطوا من نوع آخر على مساقط المياه، وعلى مجاري المياه. وعلى مصبات المياه.
فهم يسرقون مياهها ويعتدون على أحواضها، ويلوثون ما تبقى فيها من ماء، كان في أيام الشيخ موريس الجميل في معرض “المبادلة” عليه بالنفط الذي يتم نهبه اليوم في (…) .
الذهب الأبيض في لبنان اليوم عرضة للسرقة والنهب، بدليل “أساطيل الصهاريج” التي تجوب ليلا ونهارا، بيروت وسائر مدن لبنان، وصولا إلى أعالي القرى في الجبال.
فكل شيء للسرقة والنهب اليوم في لبنان، لصالح أصحاب الشركات، الممثلين ب ( ….) ، أو ممن ينوب عنهم، من الدهاقنة واللصوص والشطار.