الهم المدرسي
بدأ الهم المدرسي في لبنان، مع بدء العام الدراسي. حديث الناس هو الهم المدرسي، أينما إجتمعوا: في بيوتهم. في السيارات والحافلات المتبقية لنقلهم. في الأسواق التي خلت إلا ما ندر، من البضائع. في النوادي والمقاهي، وعلى الأرصفة، وفي الساحات التي تجمعهم.
لا حديث اليوم بين الناس، إلا الحديث عن هم المدارس والجامعات.
حديث واحد يدور بين الناس: عن إنطلاق العام الدراسي، وعن الغيوم والهموم التي ترافقه، إبتداء من القرطاسية والكتاب. وصولا إلى نقل الطلاب. ناهيك عن الأقساط المدرسية بالدولار. وعن الدراسة في ظل إطباق العتمة. وعن التحول في الدراسة، بين الحضور إلى المدرسة، والتعلم على اللوح المدرسي، أو المتابعة من بعد على الشبكات.
بدأ الهم المدرسي، عند الأهل. بدأ الهم المدرسي عند التلاميذ والطلاب. بدأ الهم المدرسي، في المدارس والجامعات. بدأ الهم المدرسي يثقل وزارة التربية. يخيم عليها مثل جو معتم ثقيل. مثل غيوم تشرين. أو مثل هموم الفلاحين في المدن و البلدات والقرى، وهم بلا طحين.
مأساة جديدة تضاف إلى مآسي الأهل: لا يجدون مدرسة قريبة لأولادهم. لا يستطيعون شراء حقيبة مدرسية، إلا بالملايين. يعجزون عن شراء الكتاب الأجنبي، لأنه باليورو وبالدولار. ويعجزون عن شراء الكتاب الوطني لفقدانه في المكتبات، وإذا ما وجد، فهو بمئات الآلاف من الليرات. مثل الطوابع البريدية، ومثل فقدان إخراجات القيد، ومثل فقدان الجوازات، وفقدان الهوية. صار كل ذلك مثل تنكة المازوت و تنكة البنزين و ساعة الكهرباء، يباع في السوق السوداء.
الأهل يعجزون اليوم، عن تأمين “عروس” من الزعتر، أو موزة أو تفاحة أو دف من الشوكولا، أو حتى “ترتينة” صغيرة، لصغيرهم، أو حتى عبوة ماء، أو عبوة عصير، يسد بها رمقه، في الملعب، في إستراحة قصيرة بعد نشاط مدرسي هزيل.
مدارس كثيرة، قررت إلغاء “المريول” المدرسي بحجة التوفير على الأهل. إنكشف الأهالي بعريهم، بعدما نزعوا عن أولادهم مريولهم اليومي.
لا طاقة لأهالي التلاميذ، أن يجددوا ثياب أبنائهم كل يوم. ذهبوا بالمريول، ليظهروا عريهم الطبقي.
“الهم المدرسي” اليوم، يخيم على الأهالي: زادت أجور الأوتوكار أضعافا مضاعفة. زادت أسعار المحروقات، للتدفئة والسير بالعربات. بلا خطة نقل، وبلا بون دعم. حل على الأهل، هاجس البعد عن المدينة. هاجس البعد عن المدرسة. هاجس وصول أبنائهم إليها. هاجس حقيبتهم المدرسية الفارغة، إلا من الدموع. صارت الحقيبة المدرسية تحتاج لعشرة ملايين ليرة في الصفوف الإبتدائية. لشراء القرطاسية والكتب المدرسية.
صارت الأقساط المدرسية، مطلوبة بالدولار.
قضية وطنية واحدة، توحد اللبنانيون حولها: كيف يواجهون عدوا شرسا، عدوا وحشا. أفلت عليهم بلا مسؤولية، بلا رحمة إسمه الغلاء، على أبواب العام المدرسي.
تلاميذ وطلاب لبنان، هم اليوم في إمتحان مع أهلهم مع مدرستهم مع وزارتهم مع حكومتهم مع دولتهم مع جمهوريتهم، مع “بيهم”، “بي الكل” مع أبيهم الذي في السماء: كيف يصلون إلى المدرس، كيف يقطعون العام المدرسي، قبل الإمتحان. كيف يحصلون على الكتاب المدرسي. كيف يحصلون على القرطاسية. كيف يدفعون القسط المدرسي، كيف يدفعون أجرة الأوتوكار. كيف يأخذون معهم إلى
المدرسة، ترتينة اللبنة، ترتينة الزعتر.
“الهم المدرسي” اليوم، مثل صخرة على صدور الأهل: كيف يدفعون الرسوم والأقساط. كيف يوصلون أبناءهم إلى مدارسهم وجامعاتهم. كيف يؤمنون لهم القرطاسية والكتاب. كيف يؤمنون لهم الوجبات اليومية، من جبنة ولبنة وحبة زيتون، ورغيف خبز. صار كلغ اللبنة أكثر من خمسين ألفا، فما بالك بالجبة التي حلق سعرها في الآفاق. صارت الأسعار نارا تحرق قلوب الأهل وقلوب أبنائهم، قبل إحتراق الجيوب و المحفظات.
الهم المدرسي اليوم، مثل الهم المعيشي ، مثل هم “مقاومة العدو”. يحتاج إلى مال. يحتاج إلى قرار. يحتاج إلى مسؤولين يتحسسون آلام حمل “الهم المدرسي”، الذي يخيم على الناس. يتحسسون وجع الناس، أمام عدو شرس داخلي، أشرس بآلاف المرات من العدو الخارجي.