سلسلة ” امرأة الأرض والماء “
-الجزء الثالث-
( بقلم الكاتبة والشاعرة سليمى السرايري )
=====
تونس – خاص ” ميزان الزمان ” :
كم من ليالي حالكة بكيت فيها، هناك القمر يرقبني ونجمة بيضاء ترنو لدموعي، لكن حين يفيض الكأس أحطم جميع الكؤوس، وأبتعد خنقا مسافرة إلى مُدني التي لا يعرفها غيري وأغني أغنيتي التي لا يتقنها آخر.
ومن هنا، تتكوّن المواهب حسب البيئة والمحيط العائلي وحتى التربوي.
لذلك بالنسبة لهواياتي المتعددة هي مثل أولادي ، تكبر معي كلّ يوم برعايتي واهتمامي وخوفي عليها أيضا…
لا أدري متى بدأتُ الكتابة، ربما قبل أن أولد ، هناك قصيدة كانت تنظرني قبل أن أصرخ الصرخة الأولى….
وقد اكتشفت ذلك حين التقيت بشاعر تونسي كبير اسمه “الشاذلي” وكنت في حفل عرض أزياء تقليدي وقرأت “محاولة” لقصيدة عن القدس، حينها أخذني من يدي الصغيرة إلى بيت الشعر التونسي وهو المشرف على ورشة الكتابة حينها….
بيت الشعر في تونس العاصمة هي انطلاقتي الأولى كان ذلك في سنة 2007 وهناك كانت أول أمسية شاركت فيها بالقصيدة، فقصيدتي الأولى : هي مغامرة لذيذة ، ..فيها امتلاكي للعالم .. القصيدة الأولى هي ميلادي الجميل .. شعور مختلف جديد علي هو مزيج من الرهبة و النشوة و الأمل ..”تشبه تماما القبلة الأولى….”.
أذكر أني عندما ألقيتُ قصيدتي الأولى أمام الجمهور في بيت الشعر ، .انتابني الخجل و الرهبة بادئ الأمر، كنت حينها اقرأ وأنظر في العيون ..لاحظتُ فيها الاستحسان وربما الإعجاب ..
برأيي أنّ القصيد الأول في تجربة المبدع يظلّ طعمه خاصا ووقعه استثنائيا ..
فالقصيدة هي الرعشة الوحيدة التي تجعلني أحيا ، ما أروع أن أموت في حضن القصيدة
وما أجمل أن أُبعثَ من رحم القصيدة….
أذكر جيّدا أنّ الكثيرين من المبدعين المعروفين في الساحة الأدبية في تونس شجعوني وتنبّؤوا لي بمستقبل أدبيّ كبير، و لا أدّعي أنّني امتلكتُ هذا الفيض الزاخر من توقّعاتهم و لكنّني أجتهد في تحصين مملكتي الأدبية وبنائها من ورق روحي ، و ماء قريحتي ، وكتلة مشاعري الإنسانية قبل كلّ شيء…
عاصمة القصيدة هي لحظة واحدة صادقة، لأن القصيدة الخالية من الصدق لا تصل المتلقّي مهما كانت بلاغتها اللغوية…وبالتالي عاصمتها ، الصدق.
لا فرق بين القصيدة والحياة عند من يعي معنى أن يكون شاعرا ، ما أكثر الشعراء وما أقلّ الشعر كما يقولون!
أحب الأماكن التاريخية التي أصبحت مخصصة للثقافة كالنادي الثقافي الطاهر الحداد الذي أيضا أتردد عليه كثيرا، كان اسطبل البايات في تاريخ تونس، أصبح بعد ترميمه مكانا ثقافيا ذات بناء معماري بديع يحملك إلى الماضي الجميل وكأنّك تصغي إلى همسات الصبايا خلف الأبواب وحوافر الخيول وعجلات العربات المزركشة ..فبين القصيدة والحصان ، أمنية….. أمنية الإنطلاق، والحريّة..
مثل تلك الأماني الوليدة ولكنها مع الوقت تكبر حتى تصبح في حجم النخيل وفي حجم تطلّعاتنا وحتى في حجم أحزاننا……
فالنتاج تطوّر حسب الحالة النفسية وصقل الموهبة.
أحاول دائما السفر في ذلك المدى فالحرف نور ربانيّ يهلّ عليَّ كلّما انطلقتُ بكل صدق الكلمة والشعور وأنا أخلق لذاتي مساحات الإبداع و ينبغي القول بكلّ تواضع أنّني بمعيّة أصدقاء مبدعين استطعت أن أصنع فضاءات شاسعة لنفسي ولمن حولي من المبدعين والمبدعات .. و لا أعترف بالصدفة والفرصة التي تأتي متأخّـرة .. المبدع برأيي لابدّ أن يؤسّس لنفسه مساحات من خلالها يطلّ على من حوله و يعانق الجمهور .
أمّا عن المعاناة، فمعلوم أنّه ما من عمل إبداعي صادق وعميق لا تشوبه المعرقلات والمعيقات ..
وفي اعتقادي أنّني أنجح في تخطّـيها بفضل الإصرار على العمل المثمر البنّـاء واليقين بعمق الرسالة الإبداعيّة .. لأنّ الإبداع برأيي وجع جميل يتأتّـى من هموم الناس و يداويها ..
من الجميل أن يعبرَ المبدع إلى مساحات رحبة و يراهن على قوّة الكلمة وعمق النبض .. و هــو أكبر تحدّ يعيشه برأيي. …
وما من أديب يستطيع أن يعيش خارج ميدان الحياة و معتركها .. هو رسول الحياة والمبدع الحقيقي هو الذي يرصد بتمعّن وبعين ثاقبة وقلب صادق ، ورؤية عميقة مجريات ما يحدث في رحم المجتمع وينقله بأمانة إلى الجمهور ..
المجتمع والناس بكلّ انتماءاتهم الثقافية و الفكرية و بكلّ مستوياتهم المعرفيّة ..لا يمكن أن يكون المبدع بمعزل عن هموم الناس والمجتمع و يعيش في برج عاجي …
مازلتُ في الحقيقة إلى الآن أتساءل متى بدأت الكتابة؟
أنا متأكّدة، أني مازلتُ أرتعش.. لا أعرف هل من القصيدة التي أحلم بها ولم أكتبها بعد؟؟
أم من هذا الزمن الذي لم ينصفني بتحقيق أحلامي الصغيرة؟
القصيدة قطعة من الشكولاطة تذوب فقط في أفواه ذات رائحة طيّبة…
–
سليمى السرايري
تونس
…//…
يتبع
الكاتب المبدع الأستاذ يوسف رقّة،،
ممتنة جدّا لاهتمامك ونشرك هذه السلسلة– أرجو ان يكون قلمي دوما عند حسن قبولكم وينال روعة ذائقتكم-
– شكرا صديقي العزيز.