قضية بلد
كل شيء في لبنان، صار قضية بلد. بعد مئة عام. بعد مئة فرقة. بعد مئة ثورة. بعد مئة مجزرة. بعد مئة نكبة. بعد مئة ميتة، ماتها اللبنانيون خلال مئة عام، وجدوا أنفسهم يتوحدون، في رأس المئوية الثانية. على رأس الإنفجار.
لم يتوحدوا عن قصد. وإنما توحدوا بالقوة. توحدوا بقوة الجوع الذي ضربهم. فتوحدوا جميعا أما الأفران. توحدوا بقوة الكهرباء التي قطعت عنهم. توحدوا جميعهم في الظلام. وحدهم الظلام بلا إستثناء.
قطعوا عنهم الوقود، فتوحدوا في طوابير السيارات، أمام محطات الوقود.
قطعوا عنهم الدواء، فتوحدوا صفوفا طويلة أمام أبواب الصيدليات.
صار للبنانيين قضية، بعد مئة عام من البناء على الكيان. توحدوا أمام صهاريج الماء، حتى قرب خزانات المياه. ذهبوا يسألون الماء من الصهاريج، تحت الخزانات، التي سدت قنواتها عن بيوتهم. عن داراتهم. عن حاراتهم. توحدوا، يشترون الماء، من لصوص الماء.
أصبح اليوم للبنانيين قضية.
ليس التمسك بالوطن. وإنما هجرة الوطن. صارت هي القضية. وحدت اللبنانيين قضية الهجرة، أمام أبواب السفارات. أمام دوائر الهجرة، في كل ناحية ودسكرة.
صرت تراهم أفواجا أفواجا، يسألون السفر. وهجرة البيوت. والسفر. والإغتراب.
يتكاتفون. يتساندون لحمل الحقائب، أمام أبواب المطارات. أمام أبواب السلالم. أمام أبواب الشركات. أمام مستودعات الشحن، للخروج من البلاد.
اليوم صار للبنانيين قضية: يتقلبون على هم مغادرة البلاد، إلى غير رجعة.
تراهم منذ السحر، يذهبون إلى مراكز الأمن العام، يطلبون فقط، جواز سفر.
صارجواز السفر قضية. صار جواز السفر، قضية بلد.
صاروا يحلمون بجواز سفر لسنين مئين. يذهبون به، ولا يعودون. لم تعد بلادهم جاذبة، إلا للمنكوبين. إلا للمستوطنين.
لم تعد البلاد توحدهم. لم يعد علم البلاد يوحدهم. لم تعد الآمال والأحلام، توحدهم. تلاعب مشاعرهم. لم يعد لهم حنين للذكريات. صاروا يفكرون بوسادة ينامون عليها بعيدا عن متاعب البلاد.
مئة عام من الإنتماء، لم توحد اللبنانيين، أكثر، من رغيف أو سلعة، أو عبوة ماء ودواء.
إندفعوا يتدافعون كالقطعان، على كل باب. صارت الأبواب قضية بلد. صارت قضية بلاد.
يفتح اللبناني عيونه كل صباح، على جميع الإتجاهات. لا يعرف أي باب يطرق. لا يعرف أي درب يسلك. يحمل قلبه. يخشى أن يسقط قبله. قبل الوصول مع القطيع.
اليوم صار عندي قضية. يغني اللبناني، بعد مئة عام من الغناء. قضية بلد يريد ألا يموت. قضية بلد يريد أن يعيش.