التاريخ: 29/08/2021
المقال رقم: 36/2021
رعـــد وصــورة
بقلـم: رشـا بركــات– حكايــات رشـا (رايتـش)
“ليرتفع منك المعنى لا الصوت فإن ما يجعل الزهر ينبت ويتفتح هو المطر لا الرعد…”
مع عبق المعنى وعمقه ومع عطور الأزاهر مع كل زخة مطر، أتذكر هذه المقولة لعاشق الله والوجود، جلال الدين الرومي…لكن حكايتي اليوم قد تكسر إيقاع هذه المقولة الرائعة لتتكلم عن “الرعد” وعن إمكانية تقديم المعنى بصورة أيضا دون قول أي كلمة، بصمت دامث وبصورة هي بنفسها من تنطق، وبروح مصور مبدع من فلسطين المغتصبة ساهم في إثبات وجودنا الفلسطيني وفي نسف كل أنواع الطمس والتزوير عبر أرشيف بصورة، إسمه خليل رعد.
عصفت الرياح، جاء البرق وتلاه الرعد، فأنبتت لنا أرض فلسطين الولادة خليلها. ولد خليل رعد في جبل لبنان الشامخ أيضا، في منطقة بحمدون اللبنانية الخلابة البهية، ذاك الجبل الذي غناه الصافي، وديع الصافي وقال “جبلنا”. من أصول فلسطينية وفي أرض لبنان سنة 1854 ومن أهل ينتمون إلى الطائفة الأرثوذكسية الكريمة، رعدت السماء. لا يمكننا أن نعرف مع كل ولادة، ما هي رسالة المولود. لكن، أغدق الرب الكريم على خليل رعد أن يكون عميد المصورين الفوتوغرافيين الفلسطينيين وأن يصبح من أحد أهم الأشخاص الذين كان لهم الفضل الأكبر ببقاء الأرشيف الفلسطيني بشكل نوعي ومهم للغاية، فعرفنا رسالته الوجودية…
نما وكبر خليل فلسطين في القدس عاصمة فلسطين، في بيت المقدس، أورشليم حيث تعلم فن التصوير وتقنياته من “جاربيد كريكوريان” الذي كان المصور الأرمني الشهير في فلسطين في ذاك الوقت. سلام لروحيهما. استكمل الخليل دراسته التصويرية في بازل بسويسرا وراح يخوض غمار عالم التصوير منذ العام 1891 من خلال استديو في شارع يافا في القدس حيث كان هو صاحبه. براعته وتخصصه في عالم التصوير أعطياه الصفة الرسمية للمهنة من قبل العثمانيين حيث كانت فلسطين خاضعة للإحتلال العثماني كحال كل منطقتنا الواحدة التي تم تقسيمها فيما بعد من قبل الدول الإستعمارية الشاملة والتي كان في مقدمتها والظاهر منها دولتي بريطانيا وفرنسا وما خفي أعظم…
أتاحت الصفة الرسمية للمصور العربي الأول في كامل البلدان العربية بعد أن كانت مهنة التصوير شهيرة في مشرقنا من قبل الأرمن فقط، خليل رعد، أن يوثق أحداث الحرب العالمية الأولى فكان أول ألبوم تصويري له على الصعيد المهني المحترف وكذلك الرسمي المصدّق. صداقته بجمال باشا، الحاكم العسكري العثماني، خولته أن يكون لديه فعالية أكثر في بعض إمكانيات المهنة ومن بينها سهولة التنقل من مكان إلى مكان، إتاحة الفرصة للقاء السياسيين الكبار لتصويرهم وبالتالي توثيق هذه الصور وما إلى هنالك من سبل تليّن مساره المهني وتعطيه ديناميكية.
من أهم الصور لخليل رعد كانت تلك الألبومات التي وثقت الوجود الفلسطيني بأبوابه المتعددة من اجتماع إلى سياسة وتجارات وكذلك ال”بورتريه” لبعض العوائل إضافة إلى توثيقه الأول للحرب العالمية الأولى كما ذكرت سابقا، ما جعل هذا الأمر يخدم قضيتنا بأدق خدمة ممكنة. ولا يمكننا أن ننسى ذكر أهمية ألبوماته الأرشيفية التي خدمت لبنان وسوريا ومصر كذلك.
حاول المصور الفلسطيني الرائد، خليل رعد، أن يعطي للقدس فسحة كبيرة من تركيزه التصويري لما تحمله هذه المدينة من مركز لكل أنواع الأحداث واختصارها. وهذا برأيي منتهى العبقرية منه. وقد نجح في إصابة هدفه ووثق الحياة الإجتماعية الفلسطينية وغيرها بشكليها العام والخاص معتمداً فضح الإستعمار من خلال صوره بطريقة خلاقة ودون أن يلتفت لهذه الناحية من هؤلاء المستعمرين أحد.
الجدير بالذكر والذي أفتخر فيه، أن خليل فلسطين ومنطقة بلاد الشام الواحدة ومصر والإنسانية، المجدد وغير الكلاسيكي في عالم التصوير، خليل رعد، قد أعطى لإبداعه صفة ومعنى وكما بدأت حكايتي بمقولة جلال الدين الرومي عن المعنى، فقد جمع الخليل ما بين المعنى والرعد فكان ابداعه يغزل بنول القضية بكل مضامينها وأبوابها. وما أجمل أن يكون لنا بصمة وأن نعمل وفق المعنى لا الصوت…
الجميل، أنه قد أقيمت فعاليات متنوعة ومعارض في حاضرنا للخليل في فلسطين ولبنان وربما في دول أوروبية حيث هناك ناشطين أشداء…
سلام لأنشودة المطر، للرعد والصورة والمعنى، لروحك السلام يا خليل رعد…نام الخليل وانتقل إلى رحمة الخالق سنة 1957