التاريخ: 15/08/2021
المقال رقم 31/2021
راهبــة فــي المنفــى
بقلـم: رشـا بركــات (رايتـش) – حكايــات رشـا
“يا مريم البكر فقتي الشمس والقمر…”
رتلي يا راهبة الأرض المقدسة، هللي لله وسلّمي على مريم الفلسطينية…هيا أسمعيني رقة صوتك مع تخدّجه حين تتدلل عليه الدمعة، دمعة عشق الله والوله، دمعة الخشوع الصاخب والمجنون في آن…يا راهبة المنفى.
سبعون عامًا لا بل ثمانون. تحت احتلال غاشم وبندقية؟ لا، البندقية أصبحت طائرات نفاثة تتفنن في القتل! تهدم الكنائس والمساجد وتقول أن كل طرف هدمها لكي تفتن فيما بين الأطراف. ثمانون عامًا والبوصلة واحدة وأمك مريم يا راهبتي لا زالت تكتم ألمها وتداوي جراحها لأن بني إسرائيل قرروا قتلها في كل سنين الأرض، إلى أن تنتهي الحياة.
كنيسة المهد في بيت لحم تعانق الآلام، فتارة نسمع بأيتام جدد على تلك البقعة دون أي معيل وتارة أخرى نسمع عن نقص في الغذاء والدواء. أما القدس، بيت المقدس، أورشليم، فها هي تحت أقدام المقتحمين من يدينوا بهدم بيوت أصحاب الأرض الحقيقيين. كنيسة القيامة تفتح أبوابها لكل مصلّ في المسجد الأقصى/الأقصا المبارك، وترفع راية رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم عندما ترى جندي الإحتلال يقوم بتكسير المسجد.
رتلي يا راهبة المنفى ترتيلة السلام الحقيقي ليس المزور القاسي، الذي يشبه كل شيء ما عدا السلام…أنا أحيا بصوتك مع ترنيمات القداسة تلك…افتحي كنيسة اللاتين في يافا والاورثوذكس وتناولي جسد المسيح الذي لا ولن يموت….إنه قام حقًا قام.
أنا أعلم أن منفاك صعب ولكنك تملكين كل المفاتيح. تملكين الحاضر والمستقبل ولديك ألأرشيف الحقيقي والدقيق. أرشيفًا لا يعلمه كثر. لكنك تملكين الأسباب وبالتواريخ. تملكين الحجر والهواء. تعرفين تاريخ البشر وتتحدثين بلغة التقوى برغم مفتاح المعرفة الذي لديك…رتلي يا راهبة المنفى ترتيلة النور، فأمك مريم لن تكون فريسة التزوير والظلام، لأنها ولدت من نور. هل من المعقول أن يتناغما النور والظلمات؟ في حضرة الطهارة تسقط كل عناوين الدجى…ويخترق الشعاع كل المسافات.
هللويا هللويا، أنا الأم الحزينة…لا، لا تحزني…لا حزن مع وجود الله ولا قنوط، فبرغم منفاك ستعودين، ستتنشقين عبير البحر وأزاهر الليمون. ستتنشفين بمنشفة الخزامى من باحات ديرك في فلسطين وتتحممين في بحيرة طبريا…منفاك يا راهبتي ما هو سوى واقع مؤقت…فاصبري، اصبري يا راهبة في المنفى…