التاريخ: 14/08/2021
المقال رقم 30/2021
يــا ورق الأصفــر
بقلـم: رشـا بركــات (رايتـش) – حكايــات رشـا
“يا ورق الأصفر عم نكبر عم نكبر، طرقات البيوت عم تكبر عم تكبر، تخلص الدني وما في غيرك يا وطني، يا وطني…”
آه فيروزتي ما أعذبك، بعد راجعون وسنرجع يومًا هاك تحذرينا من الورق الأصفر ومن الشيخوخة الحزينة ومن فناء الدنيا وبقاء الوطن…فأين الوطن، أين الوطن؟
وطني يا جبل الغيم الأزرق، وطني يا قمر الندي والزنبق…أضيفي عليهم فيروزتي، وطني البرتقالة الحزينة والبحر الدامع والنرجس الشاكي والعصفور الباكي والزيتونة المباركة التي يتم حرقها في كل يوم.. لا بل قلعها رغم صراخ أصحابها، فيروزتي وطني وطن الزعتر المفكك…
وطني يا فيروزتي .. ليس ما يراه نابليون عبر الإعدامات الميدانية التي قام بها وحرق مدينتي يافا واغتصاب جنوده للنساء…وطني يا فيروزتي عبارة عن شتات الشعب. عن ضياع حقوق الإنسان وتسمية من يعيش في بعض الدول العربية حتى ب “لاجئين”…
ها أنا أسمع في أذني أغنية عبد الوهاب التي غناها أغلب كبار الفنانين العرب، وطني حبيبي الوطن الأكبر…أي وطن أكبر يا فيروزتي؟ أي وطن أصغر حتى؟ تراثنا العربي يضيع، بلادنا العربية بخطر وفلسطين…آه يا جرحي المكابر، وطني ليس حقيبة وأنا لست مسافر والأرض حبيبة، أين الأرض يا محمود درويش؟
شعبنا بات يركض نحو الهجرة التي تم فرضها عليه لأن لا حل لديه سواها. هل أحكي في حكايتي هذه عن حروب الإطاحة بالمخيمات؟ سأحكي عن بعض معاناة اللاجىء في لبنان، عن ضياع حقوق اللاجئين، نعم هكذا وصفوا الفلسطيني ابن الأرض والقومية والجغرافيا، أصبح لاجئًا…
غنت ريم بنَّا الراحلة، تلك الفلسطينية الناصرية المبدعة، لروحها السلام، الله أصبح لاجئًا يا سيدي…حاصر إذًا حتى بساط المسجدِ، وبِع الكنيسة فهي من أملاكِهِ، وبِع المؤذّن في المزادِ الأسودِ…طبعًا هذا معنى كبير لما يحصل من انتهاكات بحق الإنسان الذي أسموه بلاجىء وأنا منهم.
ليس القول بتقليل من عظمة الخالق الرب الإله القيوم بربوبيته والقادر القدير، هذا وصف عالي الدرجات لإيصال صرخة لا يسمعها أحد…سيفهم التعبير هذا من يعقلون ولكن، ليتهم يتدبًرون ليعملوا على تغيير هذا الواقع المشؤوم…جعلوا الفلسطيني في مخيمات بعد تسميته بلاجىء ومن ثم قصفوا تلك المخيمات ودمروها على عدة مراحل. أنا لست ابنة مخيم، لكنني أحمل هوية اللجوء في لبنان، ,والقضية هي هي قضية اللاجىء وليس فقط ابن المخيم أو غيره كما يريدون دولبتها. دخلت إلى بعض مخيمات شعبنا الفلسطيني عندما كنت أقدم بعض الأنشطة التنموية ورأيت بأم العين كل الإنتهاكات بحقنا. رأيت شعبًا عطوفًا وحنونًا، مليء بالطاقات الجميلة ورأيت كذلك الإنسان الذي كره حياته من شدة الضغوطات.
إن كنت في مخيم أو خارجه، لا فرق. فأنت تحمل هوية اللجوء التي تجعلك خارجًا عن كل نص في تلك الحياة…تجعلك خارج الإطار والتسمية الإنسانية. أنا ككاتبة وكإنسانة لديها كفاءات علمية عالية لا يحق لي الإنضمام إلى أي نقابة في تخصصي العلمي ونطاقات عملي ولا في أي شيء. لا يحق لي بالتوظيف ولا بالتملك ولو حتى بكوخ من قش. لا يحق لي/لنا أي هواء نتنشقه ولكن يحق لنا أمرًا واحدًا وهو، الموت.
من مجزرة إلى مجزرة، تدمير مخيم تل الزعتر ثم ضبية وتهجير السكان وصولًا إلى مجزرة صبرا وشاتيلا وما بعدها حتى هذه اللحظة. عدا عن تشويه صورة المخيمات الفلسطينية وإظهارها على أنها بؤر أزمات وإجرام وخيانات ومخدرات وما إلى هنالك من تشويهات، والإجحاف والتهميش لكل أنواع الحقوق الإنسانية تحت حجة وشمّاعة التوطين وحق العودة.
وبعد ترك “اللاجىء” الفلسطيني لمواجهة مصيره بنفسه من كل الإتجاهات، صار شعبنا مستعد لأن يبحر في رحلات الموت عبر البحار…ليهاجر. وكم عانى قسم كبير هاجر لينقذ ما تبقى منه من فتات إنساني، فهل ننسى الشابة الفلسطينية، ريهام المغربي، التي لم تكن إرهابية كما المراد أن يقال عنا نحن الشعب الفلسطيني، بل كانت فتاة في مقتبل عمرها، تحلم بحياة وردية، كانت مهندسة وليست مجرمة ولا تاجرة مخدرات، غرقت في البحر التركي لأنها أرادت لنفسها حياة تليق باسم عائلتها وكيانها ودرجتها الإنسانية والعلمية. نعم، لقد ماتت غرقًا في البحر.
هل تعلمين يا فيروزتي أن الفلسطيني الأسير في الدنيا، لا يعرف عن حقيقة الهجرة ومكائدها التي يدفعونه اليها ؟ نعم، الكل متآمر. فحقيقة بند الهجرة للاجىء من بلد أ إلى لجوء آخر لبلد ب، يضيع منه بحسب بند من بنود القانون الدولي حق المطالبة بوطنه. نعم هذه هي حقيقة الامر وهذه هي الجريمة. حكايتي اليوم هي تحذير يا فيروزتي. هي توعية لعدم الوقوع بأي مكيدة كانت.
حكايتي، حكاية أسى وحزن برغم أني الضاحكة والمتفائلة دومًا.
فيروزتي، الوطن بات مسرحًا هزليًا وشعبه مهاجر كطير السنونو…بتنا نحن الورق الأصفر ، أين الوطن؟ يا ورق الأصفر….