التمسك بالأمل
لا مندوحة لنا عن التمسك بالأمل.
“تكليف” في ليل الصعوبات. وحرائق تأكل البلاد. وتهديد ووعيد، من قرب ومن بعد. ونضوب في كل شيء: في الطاقة والمياه. وفي الخزانة المالية. وفي سقف السحوبات.
فقدان الأدوية. ورفع الدعم. وجفاف البضائع الأساسية في الأسواق. وتهديد المستشفيات، بالتوقف عن إستقبال المرضى. وتوقف أجهزة الرقابة عن العمل. وغرق الناس جميعا، في فوضى الطوابير. وإنكشاف البلاد أمام الفلتان الأمني. وتعطيل إنتاج السلطات: بدءا من الإستقالات ، ووصولا للإنقطاع عن الخدمات.
ومع ذلك كله، لا مندوحة للبنانيين، عن التمسك بالأمل.
ماذا يعني ذلك، أمام مشاهد الإنهيار، على جميع الأصعدة، وفي عموم البلاد.
إن الأمل عند اللبنانيين، هو الأقوى. أن حياتهم كلها، كانت من طبيعة مغامرات معقودة بالآمال.
تعودوا ركوب الموج، والمغامرة في الأقاصي، منذ أول التاريخ. فما خافوا، ولا فرقت عزائمهم، من شدة الأهوال.
إعتادوا مواجهة الطامعين. إعتادوا الرقص مع الثعابين. إعتادوا ملاقاة أعدائهم، فما جبنوا ولا خافوا. ولا إرتعدت فرائصهم، من عديد الكتائب وعتادهم. كانوا يدركبون الحجارة عليهم من الأعالي- يقول سعيد عقل- وينتصرون.
لبنان، جبلا وساحلا، إعتاد ركوب المخاطر. إعتاد العيش سنين طويلة على حافة الهاوية.
كان له من رباطة الجأش، ما يمنعه من الهوي في القيعان، وفي أعماق الوديان.
شعب لبنان، من شعابه: مراسا في الأزمات. كل يوم يذهب أبناؤه إلى الطبيعة يتدربون على التكيف مع الرياح. يحملون الجبال على ظهورهم ولا يشكون. ولا يتعبون.
يشدون الصخور على بطونهم، فينتصرون على الجوع.
ينامون في كهوف الثلج ، طيلة الفصول. يقرصهم الشتاء. يلذعهم. يغمرهم بالأبيض، طيلة أيامه. فإذا بهم يشقون أكفانهم. ينسجون ربيع أيامهم. ويتخذون القمر والنجوم هالات نور لصيفهم. فإذا ما علا بهم النهار، ثم علا؛ دخلوا في عناق مع الشمس.
اللبنانيون، يعلمون صغارهم، منذ نعومة أظفارهم، على التمسك بالأمل. يمنعون عنهم حليب الأطفال، فيستعينون ب”عماد أديب”، يحدث ضجة لهم على الشاشات، ويؤمن لهم جرعات من أمل.
يمنعون عنهم الوقود، فيوقدون عزائمهم في الشوارع وفي الساحات، طيلة النهار وحتى أوساط الليل، فيعودون إلى داراتهم، وقد إشتدت عزائمهم، متمسكين بالأمل.
ينامون دهرا، بلا سلطة. ينامون دهرا بلا مخفر. ينامون دهرا بلا شرطة. ينامون دهرا بلا حكومة. ينامون دهرا بلا مأوى. يصلون الليل بالنهار. يضوئون له شمعة من رجاء وأمل.
لا يعدم اللبنانيون حيلة، في الإنتصار على الصعوبات. في الإنتصار على الذات.
عركهم الدهر بكلكليه. يقطعون أيامه بالدبيب على الجمر. يجعلون من ناره، معمودية لأبنائهم. يعتادون تجاوز كل نار: بإلتماس الأمل.
اللبنانيون إعتادوا القطوعات. إعتادوا التقاطعات. إعتادوا رميهم، بالرصاص المطاط، وبالرصاص الحي.
إعتادوا الجوع. إعتادوا سياسة التجويع. إعتادوا سياسة التركيع. إعتادوا سياسة القهر.
اللبنانيون اليوم، أمام جبال الأزمات، تتحوطهم، وتسد عليهم كل المنافذ. تعودوا تسلق حبال النجاة، حبال الأمل. إعتادوا منذ قديم الزمان، التمسك بحبال الأمل.