صعبٌ “حتى إشعارٍ آخر”
بقلم : د. عماد يونس فغالي*
أين الشعرُ في عنوانٍ حملَ في تقليد استعماله شعبيّةَ التهويل والتهديد؟ هنا مكمن الشعرِ لأجلِ اندهاشِ فعلِه حتى السؤال أعلاه! يامن صعب، جئتَ منذ العنوان تهتفُ اختلافًا! يا شاعرُ أشبعتَ قارئكَ اندهاشًا واختلافا!
أهديتَ كتابكَ إلى بيروتَ، لأنّها، “حتى إشعارٍ آخر”، منارةٌ للثقافة، لثقافةِ الحياة حتى الانبعاث الدائم، وهذه وحدَها، ثقافةٌ، بيروتِ عنوانُها، تفتحُ الذهن على أيقونةِ اختلافٍ يميّزُها فعلَ اندهاشٍ كامل!
“حتى إشعارٍ آخر”، أحبّكِ وأحيا ثائرًا عربيًّا. هذا كلّ الديوان، أنتَ الشاعرُ في قضايا نفسكِ وتفاعلاتكَ مع الآخر وقضاياه.
قلتَ، نشرتَ بخطّ يدكَ لتضيفَ إلى ديوانكَ المزيدَ من ذاتكَ. لأنّكَ قدّمتَ ذاتكَ لا شاعرًا، بل شعرًا يدفقُ على القرطاسِ مِدادَ شعوركَ ومشاعركَ. القرطاسُ تخطّى كونَه المادّة ليتجلّى جسدَ روحكَ الشفيف، قدّمتَها نقيَةً، مولودةً بطهر الوجود الأوّل!
هو نثرٌ شعريّ أو قصيدةُ النثر، أسلوبكَ الشعريّ في الديوان. لكن صعبٌ لوهلةٍ اكتشافُ الأمر، لِما الحبكةُ الإيقاعيّة آتيةٌ من داخل، تتراقصُ القراءةُ على موسيقى الكلماتِ صورةً شعريّة متناغمة، تعتقدُ أنّكَ تتبع تفعيلاتِ الخليلِ وترسو على قافيةٍ ترسمُ هدأةَ الشاطئ.
يدركُ الشاعرُ أنّ حالته الشاعريّة مزمنةٌ فيه. لكنّه يحبّها. قد يعرضُ لها كحالةٍ مرضيّة، لكنّها في اعتباره مادّةُ افتخاره. في الواقع يعرف مواطنَ الألم فيها، وفي الوقت عينه يزهو بكلّ شواردها الصانعته شاعرًا. القصيدةُ فتاتُه، يُلبسها ويبرّجها، فتخرجَ في حلّةِ العرس. كأنْ يشكرُها لإظهاره الصورةِ التي تُكبره في الأعين.
في الديوان شخصيّةُ الشاعر من داخل. عندما لا تكون القصيدةُ بصيغةِ المتكلّم، تجدُ الأنا تتكلّمُ في القصيدة. لكنْ ليستْ “أنا” العالية النرجسيّة. هي تنسابُ في السياقِ لتُبرزَ الموضوعاتيّة في عين الشاعر، من دون أن يُلزمكَ بما يقدّم!
يامن صعب، “حتى أشعارٍ آخر” أنتَ قصيدتُكَ وهي شاعرُكَ. على بساطِ الجماليا، تفترشُ الكلمَ في طبيعيّتكَ، تشاركُ القصيدةُ في نظمها، وتشاركها مشاعرَكَ فتخرجان معًا في روحٍ واحدة… جُبلتُما من شعرٍ، فتظلّان معًا “حتى إشعارٍ آخر”.
*( د. عماد فغالي / رئيس منتدى ” لقاء ” الثقافي )