…..صدر حديثا عن ” دار الولاء للطباعة والنشر ” ديوان في الشعر النثري هو باكورة اصدارات الشاعرة اللبنانية نسرين بريطع بعد سلسلة من الإصدارات القصصية والأدبية .
الديوان حمل عنوان ” في قسمات الغياب ” ويتضمن قصائد نثرية تمزج بين الوجدان والسرد والتأملات .
كلمة تقديم الديوان بقلم د. باسل الزين :
إذا كان النصُّ الأدبيّ الأوّل هو مدماكٌ تنبني عليها تجارب الأديب أو الشاعر لاحقًا من أجل تجويده، فإنّنا في مجموعة “في قسمات الغياب” أمامَ نصٍّ مكثّف يَعِد بتجربة كبيرة رسمت الكاتبة ملامحها، وخطّتها على صورة تأمّلات جمعت بين الشعريّة والسّردية والحكمة والتأمّل.
يُطالعنا منذ العنوان تشابه مع نصّ درويش الموسوم “في حضرة الغياب”. أمّا الصفة النصيّة فهي إشارة واضحة إلى غياب التصنيف الروتينيّ – وهذا أمر شائع جدًّا في الغرب اليوم، كما بدأ يجد سبيله إلى الثقافة العربيّة وبقوّة – بين شعر ونثر، ناهيك بالتصنيفات الفرعيّة في داخل النوع الأدبيّ نفسه.
الحقّ أنّ عمل الأديبة ينبني على ثلاثة مداميك واعدة، وأعني الخيال، والتأمّل، وخصوصيّة اللغة.
ينضح خيال الكاتبة ببعض الصور المبتكرة، والإحاطة الشاملة بالموضوع الذي تعالجه، فلا تكاد تعثر إلّا على هنات طفيفة في طبيعة العلاقة بين المفردات، ومراعاة تناسب الحقل الدلاليّ، وهو أمر يستحقّ الثناء، ليس لأنّه يحفظ الانسجام النصيّ وحسب، فذلك لعمرنا أمر مطلوب على الرغم من مطالبتنا كسر السياق الدلالي التقليدي، بل لأنّه يُكرّس رؤيا متماسكة لا تخوض غمار عبثيّة الكلام، والمنطوق المبهم.
“ودّعتك الوداع الأخير
وشيّعت مشاعري
إلى حيث دفنتُ حبّك
قبّلت أديم الأرض
وسألتها أن تتلطف بروحك
حرمة لما كان بيننا في زمن خلا…”
لنُنعم النظر في الحقل الدلالي: “وداع – تشييع – أديم – الروح …”، إنّه وبحقّ حقلٌ متجانس ومترابط يؤكّد الحسّ الأدبيّ الرّاقي لدى شاعرتنا وأديبتنا.
على المقلب الآخر، لفتني الحضور التأمليّ في النص، فهو لا يبثّ مشاعر فارغة، أو يستنطق تجارب ميتة، أو يستعيد رومنسيّة باهتة، بل هو نصّ ينضح فكرًا، ودهشة -وإن لم يشتدّ عودها بعد-، فكرًا ينمُّ عن رغبة في إيصال معنى إلى القارئ، والارتقاء به، وعدم الانجرار وراء عبثيّة القول الذي يرصف الكلام من دون أيّ مسوّغ فكريّ أو جماليّ. صحيح أنّ الأسئلة الكبرى تغيب عن نصّ شاعرتنا، لكن هذا لا ينتقص من قيمة تأمّلاتها:
“يُحكى أنّ الزهرة
قبل أن تُدرك الفجر
كانت تتقوقع
على شكل برعمةٍ
تسجنها جدران خضراء المظهر
تغرق في الظلمة
في سكون مؤلم
وذات صباح جاءت شمس مختلفة
ضمتها بعمق
لتوقظها من سبات دام طويلًا”.
هذا التأمّل، على بدئيّته وبداهته، تأمّل واعد في علاقة الأشياء بعضها ببعض، لا سيّما لجهة الرمزية التي ينطوي عليها: “الفجر – الاخضرار – الظلمة – شمس مختلفة …”، وهي رمزيّة سيُكتب لها الكثير إن نجحت في صقل أبعادها، واجتراح آفاق جديدة.
أمّا خصوصيّة اللغة، فتلكم لفتة تستحق التوقف عندها. لعلّ أهمّ ما يميّز أديبًا أو شاعرًا من غيره هو تفرّده بإسلوب خاص به، وهذا ما تيسّر للكاتبة. الحقّ أنّ الكاتبة امتلكت أسلوبًا يُشبهها ولا يُشبه كاتبًا سواها. أضف إلى ذلك، أنّها نجحت في تكوين نصّ تتضافر فيه الشاعرية مع السردية بمعيّة التأمّل وفي بعض الأحيان الحواريّة الناطقة والخفيّة. إنّه نص يحمل بين طياته رغبة صادقة في ابتكار لغة جديدة، لغة آتية من فضاء توحيد الأجناس نفسه، وليس من التطفل على أجناس بعد التفرّغ لكتابة جنسٍ بعينه، وهذا ما نراه بوضوح في نصّ: “حدّثني النرجس”:
حدثني النرجسُ يوماً
قال:
كان فيما كانَ من الأيام
كان لي جارةٌ.. زنبقة
تُشارِكني عالمي النرجِسي هناك
على كتفِ وادي سحيق
وكان…
إذا ما سَرَقَ الصبحُ
ندى الفجرِ مِن عروقي
راحت تَسكُبُ
ماءَ تيجانِها الحُبلى بالعشقِ
على ساقيَّ العطشى
وتلوي برفقٍ
عُنُقَها الممشوق على عودي…
نحن أمام تجربة واعدة، وأديبة رصينة، ونصّ يعِدُ بالإحكام. يبقى الأمل معقودًا على تعميق النص، والاستزادة اللغويّة، والقراءات المكثّفة، كي يتسنّى لتجربتها أن تبلغ ذروتها، وتعود علينا بفيض أدبيّ جميل.
–
كلمة الإهداء التي كتبتها الشاعرة :
إلى
أمي وأبي الحبيبين
وإلى
الروح التي ألهمتني هذه الحروف
أهديتها ابتسامة
فأهدتني حياة…!
****
من الديوان نقتطف من حديقته القصائد التالية :
صقيعُ الفجرِ
أحياناً
يُعاجِلُ صقيعُ الفجرِ
بتلاتِ الورد
قبل أن تخلع عليها الشمسُ
برقعاً من نورها الدافئ
فتذوي وتذبل…
ليتحوّل شروقها
إلى غروبٍ أليم
وعِناقُها الحميم مع الضّوء
إلى وداعٍ كئيب…
وينسكب الندى على وجناتها
دمعاً
وكانت تحسبهُ عطراً
تستحمُّ به الزهور..!!
ليت الشّمس
لم تتأخّر عن موعد شروقها
ليت الورد
تعلَّم كيف ينسجُ
مِن خيوطها رداءً
يَقيهِ سِياط الصّقيع
…. قبل الأفول…
-×-×-×-×-×
********
” هلُمّي إليّ”
-×-×-×-×-
هلُمّي إليَّ
يا نسمةَ الرّبيع…
أقبِلي….
انثُريني قُبلةً نديَّةً
على شِفاهِ الزّمن….
ارسمي بعطركِ الممزوجِ
بِعَبَقِ القُرنفُلِ والياسَمينِ
لوحةً مُختلِفةً
لعمريَ المسلوب…..
لوِّنيني بِزُرقةِ المدى
رتِّليني أُغنيَةً يُردِّدُها الصَّدى
احِمِليني بِخفَّةٍ إليكِ
خُذيني ذرَّةً
تذوبُ في رِحلةِ وجدِك
علِّميني أبجديَّة عِشقِك
هلمِّي إليَّ يـــــــــا نسمةَ الرَّبيع
فروحي الهائمة
ما عادت تطيقُ الانتظار
خذيني إليكِ
….. خُذيني ….
******
نبذة عن الشاعرة نسرين بريطع :
ولدت الشاعرة نسرين بريطع في مدينة الهرمل اللبنانية في 19 – 10 – 1977 م.
– نالت إجازة الليسانس في الفلسفة والإلهيات من جامعة آزاد عام 2012 م.
عملت في مجالات ثقافية عدة وهي منذ العام 2019 م.
وهي المنسقة الإعلامية في منتدى الفكر اللبناني.
صدر لها مجموعة قصصية:
المركب الورقي، الإختبار الأخير، كرة الغولف، سأعود الى وطني، ريما والأزهار، سباق مع الزمن، زرع وحصاد. وفي الشعر النثري: في قسمات الغياب.