” تتلاشى بيروت ليطل وجهها”
السبت الثقافي : بقلم الكاتبة والاعلامية دلال قنديل ياغي
-×-×-×-×-
كيف تغيب عاصمة كبيروت عن الواجهة الثقافية ؟
لا يمكن أن لا تحضرنا المقارنات كلما داهمتنا صور المحتشدين من الكتاب اللبنانيين والشعراء والمثقفين في منتديات ومناسبات دولية وعربية.
قد تضيق المساحات الثقافية في الدول الغربية ايضاً التي تنمي هوياتها على هذا الإنتماء، بفعل تقليص الموازنات وتفاعل الازمات ، لكنها تبقى راسخة كمََعْلم لا يغيب.
قافلةٌ تبني وأخرى تجدد الغرس.حرية الفرد تنمية ذاتية تأتي تلقائية منذ الولادة في مجتمعات تؤمن بديمقراطيتها وحقوق مواطنيها. لا يدار الفكر بالتعليمات.
تتفتح الاعين منذ الطفولة على الجداريات والالوان تغطي المساحات العامة بالألوان . قبل أن ينطق الطفل كلماته الاولى يصفق في الباحات العامة لموسيقى يقدمها هواة للعامة دون مقابل، لا يمر اسبوع دون فعالية عامةتنظمها البلديات بمهرجانات بمناسبة وبلا مناسبة.
كيف لا تكون الثقافة هوية لمجتمع يتربى وينمو بها، وكيف لثقافة ان لا تتلاشى في بلاد لا تحترم مبدعيها. يموت الكُتاب جوعاً والفنانون على ابواب المستشفيات والمطربون على الطرقات المعتمة.ويضع المسؤولون النياشين على قبورهم بإبتسامة فاترة أمام عدسة المصورين.
مفجع قول كاتب عريق له عشرات الكتب في الادب والشعر ان ما يصله شهرياً من نتاج كتبه يكاد لا يغطي عناء وتكلفة إنتقاله الى مقر ناشره، فيترك المبلغ بحوزته شهراً بعد شهر.
ما التقيت إيطالياً إلا ، وبعدما أفرغ جعبته من الهموم والمخاوف الاقتصادية ، أتبعها بجملة تشيد بغنى بلاده الثقافي.
هي ثقافة مجتمع ، يتسلح بها ليحمي نفسه من الحروب . تلك الحروب بتاريخها الموثق فناً ورسماً ونحتاً ومتاحف . هي الاخرى لا تَعبر دون حماية أدق تفاصيلها من النسيان. في تلك المتاحف والاكاديميات الحافظة للذاكرة الجماعية، نجد تماثيل ومخطوطات وشروحات لأعظم الفنانيين والى جانبها قاعات لشابات وشبان تجديديين .الظاهرة قد تسترعي إنتقاد البعض لانها صادمة ، وهل يدمج الزيت بالمياه؟ لكنها برأي اكاديميين وأخصائيين تمثل زرعاً جديداً في أرض خصبة وتفتح نافذة لولادة المستقبل في ارض خصبة.
تتوارى بيروت خلف صور المعارض والمنتديات التي تسير احياناً بإتجاه واحد. نجد المعارض والندوات تتغير اماكنها لكنها تستقطب الوجوه نفسها. وإن كان معرض الرياض للكتاب لافتاً بالجهد المبذول لحشد اكبر عدد من الكتاب والشعراء والمثقفين هذا العام وهو ما جعله ظاهرة إستثنائية، غير مألوفة، إستجلبت نقاشاً وجدلاًحولها عن دوافعها وكيفية التعامل معها.
هل أفلتت بيروت من اهلها؟ هل تتوالد في مدن اخرى؟.
وهي تتراءى في معارض الكتب وملتقيات الاعلام أينما أُقيمت في محيطها ومهرجانات الابداع الموسيقي والرقص والسينما في مدن اوروبية أو في عواصم عالمية. بعضهم يقول إنّ بيروت لا تموت ما زال نبضها تحت الرماد. اما زلزالها المُلوث باليورانيوم فماثل في الذاكرة ، فجوة خوف وغضب ، في كيان كل من سمع ذاك الدَوي او تنشق هواءه الأصفر السام.وكل من تلقى عبر شاشات العالم وصحفه أيضاً ، صوره كثالث أكبر انفجار على سطح هذا الكوكب المشوه.
قد ينقضي زمن الصمت ، وتتكشف الوقائع ويحاسب المجرمون يوماً ما ربما وإن بعد اجيال قادمة. بعدما بات من حقنا نحن الضحايا الثلاثة ملايين لبناني الذين شهدنا الجريمة وكنا ضحيتها أن نتقدم بادعاء شخصي يحتم المحاسبة.
حتى اليوم ما زالت تحيرني أسئلة الإيطاليين الذين التقيهم عن الشعور الذي راودني لحظة عصف الانفجار!
أي جواب قد تسعفني به المخيلة ؟ إذ كيف يمكن للجسد بعد أن يتوقف نبضه أن يصف إختلاجاته الأخيرة؟